الآية على اليائس من المحيض بقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض)، والمشكوك في حالها، والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة، والمرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به فيه (١)، فإذا أخبرت بأن حيضها قد ارتفع قطع عليه، ولا معنى للارتياب مع ذلك.
وإذا كان الحيض المرجع فيه إلى النساء ومعرفة الرجال به مبنية على إخبار النساء وكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض، فكان يجب أن يقول تعالى: إن ارتبتن أو إن ارتبن لأنه حكم يرجع إلى النساء ويتعلق بهن فهن المخاطبات به، فلما قال الله تعالى (إن ارتبتم) فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة ومبلغها.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو بمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم؟
قلنا: هذا يبطل بأنه لا ريب في سن من يحيض مثلها من النساء أو لا يحيض، لأن المرجع فيه إلى العادة.
ثم إذا كان الكلام مشروطا فالأولى أن نعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه الخلاف. وقد علمنا أن من شرط وجوب الإعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم ووقوع الريب ممن يعلم بذلك ويطلع عليه، فلا بد إذن من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به وجعلنا الريبة واقعة فيه مرادا، وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو غيره، لأن الكلام يستقل بتعلق الشرط بما ذكرنا أنه لا خلاف فيه ولا حاجة به بعد الاستقلال إلى أمر آخر، ألا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه، فكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا خلاف فيه فلا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.