الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل اثبات أولية ارساله وعلى تقدير ان يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن ارسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فاهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد ثبت انه أول الرسل وأجيب بجواز ان يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب وهذا جواب حسن لكن لم ينقل انه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل ان يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة ونوح وغيره بصدد ان يبعث نبي في زمانه أو بعد فينسخ بعض شريعته ويحتمل ان يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب والى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود قال وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز ان يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لان منهم من قاتل غير قومه على الشرك ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل انه لم يكن في الأرض عند ارسال نوح الا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهى عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم وغفل الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال قوله لم يعطهن أحد يعنى لم تجمع لاحد قبله لان نوحا بعث إلى كافة الناس وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وفى رواية مسلم وكان كل نبي إلى آخره (قوله نصرت بالرعب) زاد أبو أمامة يقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد (قوله مسيرة شهر) مفهومه انه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقا وانما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه وهذه الخصوصية حاصلة له على الاطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لامته من بعده فيه احتمال (قوله وجعلت لي الأرض) مسجدا أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن ان يكون مجازا عن المكان المبنى للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك قال ابن التيمي قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل طهورا لان عيسى كان يسيح في الأرض ويصلى حيث أدركته الصلاة كذا قال وسبقه إلى ذلك الداودي وقيل انما أبيح لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض الا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو ان من قبله انما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ
(٣٧٠)