عبد العزيز أنه قال: لا تقبل شهادة ولد الزنى، وروى الطبري والساجي عن عبد الله بن عمر مثل ذلك، وحكى الطبري عن يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والليث بن سعد:
أن شهادته في الزنى لا تجوز، وقال مالك: ولا في ما أشبه من الحدود.
دليلنا على ذلك إجماع الطائفة عليه.
فإن قيل: أ ليس ظواهر الآيات التي احتججتهم بها تقتضي قبول شهادة ولد الزنى إذا كان عدلا فكيف امتنعتم من قبول شهادته مع العدالة وهو داخل في ظواهر الآيات؟
قلنا: هذا موضع لطيف لا بد من تحقيقه، وقد حققناه في مسألة أمليناها قديما في الخبر الذي يروى: بأن ولد الزنى لا يدخل الجنة، وبسطنا القول فيها لأن ولد الزنى لا يتعدى إليه ذنب من خلق من نطفته وله حكم نفسه فما المانع من أن يكون عدلا مرضيا؟ والذي نقوله: إن طائفتنا مجمعة على أن ولد الزنى لا يكون نجيبا ولا مرضيا عند الله تعالى ومعنى أن يكون الله تعالى قد علم في من خلق من نطفة زنى لا يختار هذا الخير والصلاح، وإذا علمنا بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنى وعدالته وإن شهد وهو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهرة المقتضي لظن العدالة به، ونحن قاطعون على خبث باطنه وقبح سريرته فلا تقبل شهادته لأنه عندنا غير عدل ولا مرضي فعلى هذا الوجه يجب أن يقع الاعتماد دون ما تعلق به أبو علي بن الجنيد لأنه قال: إذا كنا لا نقبل شهادة الزاني والزانية كان ردنا لشهادة من هو شر منهما أولى.
وروي عن النبي ص أنه قال في ولد الزنى: إنه شر الثلاثة، وهذا غير معتمد لأن الخبر الذي رواه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يرجع بمثله عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وإذا كان معنى قوله ص: إنه شر الثلاثة، من حيث لم تقبل شهادته أبدا وقبلت شهادة الزانيين إذا تابا فقد كان يجب على ابن الجنيد أن يبين من أي وجه لم تقبل شهادته على التأبيد وكيف كان أسوأ حالا في هذا الحكم من الكافر الذي تقبل شهادته بعد التوبة من الكفر والرجوع إلى الإيمان، ويبين كيف لم تقبل شهادته مع إظهار العدالة والصلاح والنسك والعبادة وأنه بذلك داخل في ظواهر آيات قبول الشهادة وما شرع في ذلك ولا اهتدى له، والوجه هو ما نبهنا عليه