قال محمد بن إدريس: وطلاق هذه المرأة مقطوع عليه وتزويجها مأمور به محكوم بصحة العقد بغير خلاف فلا يرجع عن هذا المقطوع عليه المحكوم بصحته شرعا بأمر مظنون وهو رجوعهما لأنه يحتمل الصدق والكذب والحق والباطل فلا ينقض به ما قد قطع عليه وحكم بصحته شرعا، وما أورده في نهايته رحمه الله خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ذكره في استبصاره وأورد خبرا آخر وتأوله، والخبر الذي أورده ليقضي به على ما اختلف عليه من الأخبار ليس فيه أنه رجعا جميعا أعني الشاهدين على ما أورده في نهايته بل فيه: وأكذب نفسه أحد الشاهدين، فإذا كان هذا الاختلاف والتأويل في الخبر ولا إجماع معنا ولا كتاب الله سبحانه ولا أخبار متواترة ولا سنة مقطوع بها بل إجماعنا منعقد على ما قررناه من أن الحاكم لا ينقض حكمه إذا حكم برجوع الشهود فلا يعدل عن الدليل إلى غيره لأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
فإن شهدا بسرقة فقطع المشهود عليه ثم رجع ألزما دية يد المقطوع فإن رجع أحدهما ألزم نصف دية يده هذا إذا قالا: وهمنا في الشهادة، فإن قالا: تعمدنا، قطع يد واحد منهما بيد المقطوع وأدى الآخر نصف دية اليد على المقطوع الثاني، وإن أراد المقطوع الأول المشهود عليه أن يقطعهما قطعهما وأدى إليهما دية يد واحدة يتقاسمان بها بينهما على السواء، وكذلك إن شهدا على رجل بدين ثم رجعا ألزما مقدار ما شهدا به فإن رجع أحدهما ألزم بمقدار ما يصيبه من الشهادة وهو النصف.
ومتى شهدا على رجل ثم رجعا قبل أن يحكم الحاكم طرحت شهادتهما ولم يلزما شيئا بل يتوقف الحاكم عن إنفاذ الحكم، وإن كان رجوعهما بعد حكم الحاكم غرما ما شهدا به سواء كان الشئ قائما بعينه أو لم يكن كذلك وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: غرما ما شهدا به إذا لم يكن الشئ قائما بعينه فإن كان الشئ قائما بعينه رد على صاحبه ولم يلزما شيئا. وقد دللنا على صحة ما ذهبنا إليه قبل هذا بلا فصل حين قلنا: إن إجماع أصحابنا منعقد على أنه إن رجع الشهود بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى رجوعهما فيما حكم به ولا ينقض حكمه لأن حكمه مقطوع من جهة الشرع على صحته ورجوعهما يحتمل الصدق والكذب فلا يرجع عن أمر مقطوع على صحته بأمر مشكوك فيه محتمل. وقد رجع شيخنا عما ذكره في نهايته في مسائل