لم يحلف فقد نكل وحصل مع المدعي نكول وشاهد، وهل يقضى بنكوله مع شاهد المدعي؟ فعندنا أنه لا يحكم به عليه، فإذا تقرر أنه لا يحكم عليه بمجرد النكول فهل يرد اليمين على المدعي أم لا؟
قال بعض المخالفين لمذهبنا: لا ترد عليه لأنها يمين بذلها لخصمه فإذا عفا عنها لم تعد إلى باذلها كيمين المدعى عليه إذا بذلها للمدعي ثم عفا عنها فإنها لا تعود إلى باذلها. وقال قوم: ترد إليه، وهذا هو الصحيح الذي يقتضيه مذهبنا لأن هذه غير تلك فإن هذه يمين الرد يقضى بها في الأموال وغيرها وتلك يمينه مع الشاهد لا يقضى بها في غير الأموال وسببها غير سبب تلك فإن سببها نكول المدعى عليه.
إذا ادعى رجل على رجل أنه سرق نصابا من حرز وأقام به شاهدا واحدا حلف مع شاهده ولزم الغرم دون القطع لأن السرقة توجب شيئين: غرما وقطعا، والغرم يثبت بالشاهد واليمين دون القطع وأما القتل فإن كان يوجب مالا فإنه يثبت بالشاهد واليمين عمدا كان أو خطأ وإن كان عمدا يوجب القود، فإذا كان له شاهد واحد كان لوثا وكان له أن يحلف مع شاهده خمسين يمينا إذا لم يكن له من يحلف من قومه فإذا حلف ثبت القتل وعندنا يوجب القود.
من وقف وقفا على قوم انتقل ملكه عن الواقف وإلى من ينتقل؟
قال قوم من المخالفين: إلى الموقوف عليه، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال قوم منهم:
ينتقل إلى الله لا إلى مالك، فإذا ثبت ذلك فادعى على رجل أنه وقف عليه هذه الدار وقفا مؤبدا وأقام به شاهدا واحدا فهل يثبت بالشاهد واليمين أم لا؟ فمن قال: ينتقل إلى الموقوف عليه، قال: ثبت بالشاهد واليمين، لأنه نقل ملك من مالك إلى مالك. ومن قال: ينتقل إلى الله لا إلى مالك، قال: لا يثبت إلا بشاهدين، لأنه إزالة ملك إلى الله كالعتق وإنما قلنا: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه، لأن جميع أحكام الملك باقية عليه بحالها بدليل أنه يضمن باليد وبالقيمة ويتصرف فيه وعند بعض أصحابنا يجوز بيعه على وجه.
ولا يجوز قبول شهادة واحد والحكم بها في الهلال والطلاق والحدود والقصاص وغير ذلك من الأحكام، والقسامة لا تقبل إلا في الدماء خاصة، والقسامة عند الفقهاء كثرة اليمين بالقسامة من القسم وسميت قسامة لتكثير اليمين