وأصحابه كانوا التاركين لأمر الله والمعرضين عن العدل، ولما علموا أنهم متى حاكموا عليا بما في القرآن وأذعنوا للإنصاف وأقروا لذي الفضل بفضله التزموا الظلم والبغي وباؤوا بغضب من الله إن لم يفيئوا إلى أمر الله، فلذلك دافعوا التحكيم بكتاب الله في عنفوان الأمر وأبوا إلا القتال إلى أن ضاق عليهم الأمر وأصابهم وقع السيف ففزعوا إلى رفع المصاحف هنالك، فرفعوا على الأسل والتجأوا إلى التحكيم الذي قد كان على ع دعاهم إليه أولا فأبوا.
وإنما كان دعاء على ع إياهم إلى ما في كتاب الله أولا ثقة منه بتحقق أمره، وعلما بأن الكتاب يحكم له عليهم، وأنهم لو حاكموا عليا ع في أول ما دعاهم إلى ما في القرآن لوجدوه من السابقين الأولين من المهاجرين، ووجدوه من المجاهدين الذين لا يقاس بهم القاعدون، ومن المؤمنين بالغيب، ومن أولياء الله الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن العلماء الذين يتقون الله حق تقاته، ومن الموفين بالنذر المطعمين على حب الله المسكين واليتيم والأسير، ووجدوا أباه أبا طالب أشد من حامي رسول الله، ووجدوا معاوية من الطلقاء وأبناء الطلقاء، فلما نابهم حر القتل أمر برفع المصاحف.
وكان على ع يقول لأهل العراق - حين قالوا له: يا أمير المؤمنين قد أنصفك حين دعاك إلى ما في الكتاب فإن لم تجبه إلى ذلك شددنا مع العدو عليك فإن الله يقول:
" فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " - فقال على ع: كلمة حق يراد بها باطل، اصبروا على ابن هند ساعة يفتح الله لكم.
ولما لم ينجع كلامه فيهم وأبي الذين فسدت قلوبهم من أصحابه إلا النزول عند حكم معاوية وضع علي ع نفسه موضع المستضعفين المعذورين وعمل على قول الله: فاتقوا الله ما استطعتم، وكانوا يشتدون عليه ليجيب معاوية إلى ما كان يدعوه إليه من التحكيم حتى قال: لا رأي لمن لا يطاع. وقد بين الله عذر على ع في ذلك بقوله تعالى: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين... الآية، فألف من المؤمنين إذا قاتلوا ألفين من الكافرين هم