وعن بعض الأعلام (قدس سره) (1) مقارنة الرضا التقديري الذي تكشف عنه الإجازة المتأخرة، ولذا يكتفي بالفحوى وشاهد الحال في باب حلية الأموال مع أن المكشوف بهما ليس إلا الرضا التقديري، ولا فرق بين قوله تعالى * (تجارة عن تراض) * (2) وقوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه) (3) فإن كان الطيب أعم من الفعلي والتقديري في الثاني فكذا الرضا في الأول، وإلا فلا فيهما معا.
وأورد عليه بعدم الملازمة بين الرضا التقديري والإجازة المتأخرة، إذ ربما يتبدل السخط بالرضا، مع أنه لا ينحصر الكاشف عنه في الإجازة المتأخرة، فيلزم ترتيب الأثر ولو لم يكن إجازة، ولا يمكن التفوه به، وبأنه لو جاز التصرف بالرضا التقديري لزم الهرج والمرج، وملخص الكل هو المنع صغرى وكبرى.
وتندفع المناقشة في الصغرى بأن فعلية السخط ينافي فعلية الرضا لا تقديرية الرضا، فإن سبب الرضا المتأخر لو كان ملتفتا إليه من الأول لكان راضيا بالمعاملة فعليا من الأول.
وأما المناقشة في الكبرى فيتوقف دفعها على بيان حقيقة الرضا المعتبر في باب حلية الأموال وفي المعاملات، فنقول:
ليس مناط جواز التصرف في مال الغير حبه وشوقه وإرادته للتصرف في ماله، بل مجرد عدم منافرة التصرف لغرضه شخصا، فإن التصرف في الأراضي المتسعة بالعبور والمرور فيها مع حضور مالكها ومشاهدته للتصرف فيها جائز، لا لأنه يحبه ويهواه ويشتاقه، بل لمجرد عدم منافرته لغرضه الشخصي، بداهة أن الحب والهوى والميل والشوق لا تنقدح في النفس إلا لفائدة عائدة إليه، ولا يعقل أن ينقدح بدون ذلك، مع أن الوجدان أصدق شاهد على عدم إناطة جواز التصرف بعود فائدة إلى المالك.
فيعلم أن مناط الجواز ليس الرضا بتلك المعاني المتوقفة على عود فائدة إلى المالك، بل على معنى لا يقتضي عود شئ إليه، وليس هو إلا عدم المنافرة لغرضه، بل حقيقة طيب النفس ليست إلا خلوها عما ينافي الغرض وينافره، كما أن كون الجسم طيبا ليس إلا