ففيه: أن حقيقة السلطنة قدرة المالك على التصرف في المال، ومصححها إما ترخيص الشارع في ذلك التصرف تكليفا كما في التصرفات الغير المعاملية، وإما ترخيصه وضعا كما في التصرفات المعاملية، فيفيد قدرته على التصرف عدم كونه ممنوعا عنه تكليفا شرعا، وتفيد قدرته على التصرف المعاملي كونه نافذا منه وضعا، ومن الواضح أن الإذن الذي هو نحو تصرف من المالك ليس من التصرفات المعاملية، بحيث يتسبب به إلى حصول شئ، حتى تكون القدرة عليه ملازمة لنفوذه، بل من التصرفات الغير المعاملية، فلا يستلزم القدرة عليه إلا صدوره من المالك مباحا، فالإذن موضوع محكوم بالإباحة شرعا، كما أن التصرف المأذون فيه أيضا موضوع محكوم بالإباحة شرعا، فلا معنى للنفوذ لا من طرف الإذن من المالك ولا من طرف التصرف من المأذون.
ثانيها: قاعدة " لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه " بالتقريب المتقدم (1)، وهو أن الحلال من المال ما لا تبعة له، وغير الحلال ما له تبعة، وإذا نسبت التبعة إلى المال كان المراد منها خسارته، كما أنه إذا نسبت إلى الأفعال كان المراد منها عقوبتها، فيفيد أن المال له الخسارة إلا إذا رضي مالكه بعدم خسارته أي فعلا، لئلا يكون منافيا لحكم الشارع بترتب الخسارة عليه بتلفه أو إتلافه، والجواب ما مر غير مرة فراجع (2).
ثالثها: ما أفاده المصنف (قدس سره) من فحوى ما دل على أن من استأمنه المالك لا يضمن.
وتوضيح المقام: أن المراد بالاستيمان تارة هو الاستيمان الحقيقي، وهو أخذ الشخص أمينا لنفسه في حفظ ماله ورعاية شؤونه، وليس مثله إلا في الوديعة.
وتقريب الفحوى حينئذ: أن إثبات يد الغير على المال لمجرد إمساكه إذا كان مانعا عن الضمان، فاثبات يده عليه لجميع التصرفات يمنع عن الضمان بالأولوية، لوجود الأصل فيه وزيادة.
وفيه: أن الاستنابة في الحفظ هي المقصودة في الوديعة، لا من حيث كونها تصرفا، حتى يكون التسليط بلحاظ جميع التصرفات فيه الأصل وزيادة، ومن الواضح أن يد الودعي يد المالك، واعتبار كونه نائبا عنه في حفظ ماله لا يجامع الضمان، فإن الإنسان لا