وأما الثاني فهو الذي يتغير بالأعمال الصالحة والطالحة. وقد صرح أئمتنا في أحاديثهم بهذا الأمر ونصوا على هذا التقسيم.
والمراد من التقدير الحتمي ما لا يبدل ولا يغير ولو دعي بألف دعاء فلا تغيره الصدقة ولا شئ من صالح الأعمال أو طالحها. وذلك كقضائه سبحانه للشمس والقمر مسيرا إلى أجل معين، وللنظام الشمسي عمرا محددا، وتقديره في حق كل إنسان بأنه يموت، إلى غير ذلك من السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإنسان.
والمراد من الثاني الأمور المقدرة على وجه التعليق، فقدر أن المريض يموت في وقت كذا إلا إذا تداوى، أو أجريت له عملية جراحية أو دعي له وتصدق عنه وغير ذلك من التقادير التي تتغير بإيجاد الشرائط والموانع، والله سبحانه يعلم في الأزل كلا التقديرين: الموقوف، وتحقق الموقوف عليه وعدمه. وله نظائر حتى في التشريع الكلي والسنن الوسيعة الإلهية، فقد قضى سبحانه في حق المسرفين بأنهم أصحاب النار، وقال حاكيا عن مؤمن من آل فرعون:
* (وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار) * (1). غير أن هذه التقدير حتى بصورته الكلية ليس تقديرا قطعيا غير قابل للتغيير بشهادة قوله سبحانه: * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * (2). والهدف من الآيتين تقوية حرية الإنسان وتفهيمه بأن له الخيار في اختيار أي واحد شاء من التقديرين.
وإليك بعض ما ورد عن أئمة أهل البيت حول هذا التقسيم:
سئل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة.