حقه سبحانه، وجب تجريدها عن تلك اللوازم وتمحيضها في الكمال المطلق. وهذا لا يختص بالقدرة بل كل الصفات الجارية عليه سبحانه تتمتع بذلك الأمر.
مثلا: إن الحياة مبدأ الكمال والجمال، ومصدر الشعور والعلم، فليس الهدف من توصيفه سبحانه بالحياة إلا الإشارة إلى ذاك الكمال. وأما الذي ندركه من الحياة، وننتزعه من الأحياء الطبيعية، فإنه يمتنع توصيفه تعالى به لاستلزامه كونه سبحانه موجودا طبيعيا مستعدا للفعل والانفعال إلى غير ذلك من خصائص الحياة المادية. ولأجل ذلك يجب أن نصفه سبحانه بالحياة مجردة عن النقائص. وهذه ضابطة كلية في جميع الصفات الإلهية فلا توصف ذاته سبحانه بشئ منها إلا بهذا الملاك، وهذا ما يسعى إليه الحكيم العارف بالله سبحانه. وعند ذلك يصح تفسير قدرته سبحانه بما ورد في التعريفين ولكن بتجريد كل واحد منهما عما يستلزمه من النقائص، ككونه سبحانه ذا ماهية أو مادة مستعدة، كما في التعريف الأول. أو كونه سبحانه فاعلا بمشيئة زائدة على الذات، كما في التعريف الثاني.
وعلى ذلك فالذي يمكن أن يقال هو إن نسبة الفعل إلى فاعله لا تخلو عن أقسام ثلاثة:
الأول: أن يكون الفاعل متقيدا بالفعل فلا ينفك فعله عنه، وذلك هو الفاعل المضطر كالنار في إحراقها، والشمس في إشراقها.
الثاني: أن يكون الفاعل متقيدا بترك الفعل فيكون الفعل ممتنعا عليه.
الثالث: أن لا يكون الفاعل متقيدا بواحدة من النسبتين فلا يكون الفعل ممتنعا حتى يتقيد بالترك، ولا الترك ممتنعا حتى يتقيد بالفعل. فيعود الأمر في تفسير القدرة إلى كون الفاعل مطلقا غير مقيد بشئ من الفعل