فصل * (فيما يجب على المؤمن من القيام بالشهادة) * الكلام في هذا الباب في فصلين في تحمل الشهادة وفي أدائها.
أما التحمل فإنه فرض في الجملة فمن دعي إلى تحملها على نكاح أو بيع أو غيرهما من دين أو عقد لزمه التحمل لقوله تعالى " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " ولم يفرق، ولقوله تعالى " ولا يضار كاتب ولا شهيد ".
تأول أهل التفسير لهذا الكلام ثلاث تأويلات:
فقال ابن عباس معناه لا يضر الشاهد والكاتب لمن يدعوه إلى تحملها، ولا يحتج عليه بأن لي شغلا أو خاطب غيري فيها، ومنهم من قال معناه لا يضر الشاهد بمن يشهد له فيؤدي غير ما يتحمل ولا يغير الكاتب لمن يكتب له فيكتب غير ما قيل له ومنهم من قال معناه لا يضر بالشاهد والكاتب من يستدعيه فيقول له دع أشغالك واشتغل بحاجتي.
فإذا ثبت أن التحمل فرض على الجملة فإنه من فروض الكفايات إذا قام به قوم سقط عن الباقين، كالجهاد والصلاة على الجنائز ورد السلام وقد يتعين التحمل وهو إذا دعي لتحملها على عقد نكاح أو غيره أو على دين، وليس هناك غيره، فحينئذ يتعين التحمل عليه كما يتعين في الصلاة على الجنازة والدفن ورد السلام.
فأما الأداء فإنه في الجملة أيضا من الفرايض لقوله تعالى " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " وقال " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " وهذه يمكن أن يستدل بها على وجوب التحمل وعلى وجوب الأداء وهي بوجوب الأداء أشبه، فإنه سماهم شهداء ونهاهم عن الآباء إذا دعوا إليها، وإنما يسمى شاهدا بعد تحملها.