قال المخالف إنما قضى علي عليه السلام بذلك لأن يد صاحبها عليها فلهذا ضمنه وعلى ما قضى به أبو بكر وعمر لم يكن يد صاحبها عليها فلا ضمان، وعليه الاجماع لأن شريحا تولى القضاء من قبل عمر وبعده لعثمان، وبعده لعلي عليه السلام وتولى بعده أيضا وقيل إنه بقي في القضاء سبعين سنة.
فأما من ولاه الإمام القضاء فهل لهذا القاضي أن يولي من قبله من يقوم مقامه جملته أنه إذا ولى الإمام قاضيا فالمستحب له أن يجعل إليه أن يولي من يرى من قبله لأنه قد لا يطيق النظر بنفسه فيكون له فسحة فيه، فإذا ثبت هذا نظرت: فإن ولاه وجعل إليه أن يولي فذلك، وإن منعه من ذلك لم يكن له التولية.
وإن أطلق نظرت فيما ولاه، فإن كان موضعا يقدر أن ينظر فيه بنفسه، مثل أن ولاه بلدا من البلاد كالكوفة وواسط والبصرة، قال قوم ليس له أن يستخلف من ينوب عنه، لأنه ينظر عن إذن فوجب أن لا يستخلف فيما ينظر فيه بنفسه كالوكيل ليس له أن يوكل فيما ينظر فيه بنفسه وقال آخرون له ذلك لأن الإمام إذا ولاه صار ناظرا للمسلمين لا عن الإمام، ولكن على سبيل المصلحة، فيكون في هذا البلد في حكم الإمام في كل بلد، فإذا كان كالإمام وحب أن يولي من ينوب عنه في موضع نظره.
ويفارق الوكيل لأنه ينظر في حق موكله بدليل أن له عزله متى شاء، و ليس كذلك في مسئلتنا لأنه ينظر للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام، بدليل أنه ليس للإمام عزله ما كان على الثقة والاجتهاد، والأول عندي أقوى.
هذا إذا كانت ولايته قدرا يمكنه أن ينظر فيها بنفسه، فأما إن كانت ولايته قدرا لا يمكنه أن ينظر فيها بنفسه فله أن يولي من ينوب عنه في الجملة، لأنه إذا كان مما لا ينهض فيه بنفسه فقد أذن له في الاستخلاف عرفا وعادة، فهو كالوكيل إذا وكل فيما لا يطيق النظر فيه بنفسه، أو فيما لا يعمل بنفسه في العرف والعادة، كالنداء على الثوب وحمل المتاع من مكان إلى مكان فإنه يستخلفه فيه، كذلك ههنا.
فإذا ثبت أن له ذلك، فكم القدر الذي له أن يستخلف فيه؟ فعلى مذهب من أجاز الاستخلاف قال: له أن يستخلف فيه في كل ما إليه، ومن لم يجز الاستخلاف