فإن قيل أليس قد قال النبي عليه السلام لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلى كراع لقبلت؟ قلنا الفصل بينه وبين أمته أنه معصوم عن تغيير حكم بهدية، وهذا معدوم في غيره.
هذا إذا أهدي له من لم يجر له بمهاداته عادة، فأما إن كان ممن جرت عادته بذلك، كالقريب والصديق الملاطف نظرت، فإن كان في حال حكومة بينه وبين غيره أو أحس بأنه يقدمها لحكومة بين يديه حرم عليه الأخذ كالرشوة سواء وإن لم يكن هناك شئ من هذا فالمستحب أن يتنزه عنها.
هذا كله إذا كان الحاكم في موضع ولايته فأما إن حصل في غير موضع ولايته فأهدي له هدية فالمستحب له أن لا يقبلها، وقال بعضهم يحرم عليه، فكل موضع قلنا لا يحرم عليه قبولها، فلا كلام، وكل موضع قلنا يحرم عليه، فإن خالف وقبل فما الذي يصنع؟ فإن كان عامل الصدقات، قال قوم يجب عليه ردها، وقال آخرون يجوز أن يتصدق عليه بها، والأول أحوط.
وأما هدية القاضي قال قوم يضعها في بيت المال ليصرف في المصالح، وقال آخرون يردها على أصحابها وهو الأحوط عندنا.
إذا حضره مسافرون ومقيمون نظرت، فإن سبق المسافرون قدمهم لأنه لما قدم السابق فالسابق من أهل البلد فكذلك المسافر بل هو أولى، وإن وافوا معا أو تأخر المسافرون، فإن كان بهم قلة من حيث لا يضر تقديمهم بأهل البلد، فهو بالخيار بين أن يقدمهم أو يفرد لهم يوما يفرغ من حكوماتهم فيه، لأن المسافر على جناح السفر وشرف الرحيل، يكثر شغله ويزدحم حوائجه، فلهذا قدم، فأما إن كانوا مثل المقيمين أو أكثر كأيام الموسم بمكة والمدينة كانوا والمقيمون سواء، لأن في تقديمهم إضرارا بأهل البلد، وفي تأخيرهم إضرارا بهم، فكانوا سواء فصاروا كما لو كانوا كلهم مقيمين.
قد ذكرنا أن الحاكم يجلس للقضاء في موضع بارز للناس في رحبة أو صحراء أو موضع واسع إلا من ضرورة من مطر أو غيره، فيجلس في بيته أو في المسجد.
وذكرنا أنه إذا أراد أن يجلس في مجلسه للقضاء قدم إليه ثقة من عنده ليحفظ