والعلم فههنا لكل واحد منهم أن يلي القضاء، فإن دعا الإمام واحدا منهم إليه، قال بعضهم يجب عليه، وقال آخرون لا يجب عليه، وهو الصحيح.
فعلى هذا هل يستحب له أم لا؟ لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون له كفاية أو لا كفاية له فإن لم يكن له كفاية استحب له أن يليه لأنه إذا فعل ذلك كان مطيعا لله في النظر بين الناس، ويكون له في مقابلة عمله رزق يكفيه، وإذا لم يل القضاء طلب الكفاية من المباح من تجارة وغيرها فكان حصول الرزق له في طاعة أولى من حصوله من مباح.
وإن كانت له كفاية لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون معروفا أو خامل الذكر، فإن كان مشهورا بالعلم معروفا يقصده الناس يستفتونه ويتعلمون منه، فالمستحب له أن لا يلي القضاء لأن التدريس والتعليم طاعة وعبادة مع السلامة والأمن من الغرر، والقضاء وإن كان طاعة فإنه في غرر لقوله عليه السلام: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين، فكانت السلامة أسلم لدينه وأمانته.
فأما إن كان خامل الذكر لا يعرف علمه ولا يعلم فضله ولا ينتفع الناس بعلمه فالمستحب أن يليه ليدل على نفسه، ويظهر فضله، وينتفع الناس بعلمه، حتى قال بعضهم المستحب له أن يبذل المال على ذلك حتى يظهر ويعرف ويعلم فضله وينتفع، والأول أصح لأن بذل المال على ذلك لا يجوز، ولا للإمام أن يأخذ على ذلك عوضا.
وأما من يحل له أخذ الرزق عليه ومن لا يحل: فجملته أن القاضي لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون ممن تعين عليه القضاء أو لم يتعين عليه، وهو القسم الأول والأخير، فإن كان ممن يجوز له القضاء ولم يتعين عليه لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون له كفاية أو لا كفاية له، فإن لم يكن له كفاية جاز له أخذ الرزق وإن كانت له كفاية فالمستحب أن لا يأخذ فإن أخذ جاز ولم يحرم عليه، بل كان مباحا وجواز إعطاء الرزق للقضاء إجماع: ولأن بيت المال للمصالح، وهذا منها بل أكثرها حاجة إليه، لما فيه من قطع الخصومات، واستيفاء الحقوق، ونصرة المظلوم ومنع الظالم.