فأنكرت وحلفت لا حد عليه لأنه صار منازعا فيه فكان شبهة في سقوط الحد فلهذا لم يقطع.
فإن غصب من رجل مالا فجعله في حرز فنقب المغصوب عنه الحرز وأخذ مالا فإن لم يأخذ غير ماله فلا شئ عليه لأنه أخذ مال نفسه فإذا أخذ معه غيره من مال الغاصب، فإن لم يكن متميزا كالطعام والشراب والأدهان فلا قطع أيضا بوجه لأنه مال مشترك فهو كالمال بين شريكين ولا قطع في مال الشركة.
وإن كان مال الغاصب متميزا عن الغصب فإن كان مال الغاصب أقل من نصاب فلا قطع على السارق لأنه ما سرق نصابا وإن كان مال الغاصب نصابا قال قوم لا قطع عليه لأنه إنما هتك الحرز لأخذ ماله لا لسرقة مال الغاصب فإذا سرق بعد هتك الحرز فقد سرق من حرز هتكه لغير السرقة، فلا قطع، وقال آخرون عليه القطع لأنه لما سرق مال الغاصب مع مال نفسه كان الظاهر أنه نقب للسرقة، فلهذا قطعناه. وهذا الذي يقتضيه رواياتنا.
فإن سرق رجل نصابا من حرز لرجل ثم أحرزه في حرز آخر فنقب سارق آخر الحرز فسرق تلك السرقة، فعلى السارق الأول القطع لأنه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه، وأما السارق الثاني فقال قوم لا قطع عليه لأن صاحب المال لم يرض بأن يكون هذا الحرز حرزا لماله، فكأنه سرقه من غير حرز، وقال آخرون عليه القطع لأنه سرق من حرز مثله.
فأما إن غصب من رجل مالا وأحرزه ثم سرق سارق تلك العين المغصوبة، قال قوم عليه القطع، وقال آخرون لا قطع مثل المسألة الأولى سواء والخصم في المسألتين معا مالك الشئ دون غاصبه وسارقه، وقال قوم في السرقة مثل قولنا وفي الغاصب إن الخصم فيه الغاصب.
قد ذكرنا أن القطع يجب بكل ما يتمول في العادة، فمن ذلك الدفاتر بأسرها والمصاحف وكتب الفقه والأدب والأشعار والأسمار ونحو ذلك، كل هذا يجب فيه القطع عندنا وقال قوم: لا قطع في شئ من هذه الدفاتر.