ويفارق هذا قسمة الإجبار لأنه لا بيع فيها ولا شراء، فلهذا لزمت بالقرعة، وهذه فيها بيع وشراء يلزم بها، وأيضا لما لم يعتبر التراضي فيها في الابتداء فكذلك في الانتهاء، وليس كذلك ههنا، لأنه اعتبر التراضي في ابتدائها، وكذلك في انتهائها.
إذا كانت دار بينهما لها علو وسفل، فدعا أحدهما صاحبه إلى القسمة نظرت، فإن دعا إلى قسمة العلو والسفل ليكون لكل واحد منهما بعض السفل وبعض العلو أجبر الآخر عليه لأن البناء في الأراضي كالغراس فيها، ولو طلب أحدهما قسمة الأرض بغراسها أجبر الآخر عليها، فأما إن طلب أحدهما أن يجعل السفل سهما و العلو سهما ويقرع بينهما ليكون لأحدهما السفل وللآخر العلو، لم يجبر الممتنع عليها، لأن العلو مع السفل، بدليل أنه يتبع الأرض في الأخذ بالشفعة، ولو أفرز بعضه بالبيع فلا شفعة، ولأنه لو طلب أحدهما قسمة البناء دون العرصة لم يجبر الآخر عليه، ولو طلب أحدهما قسمة العرصة التي لا بناء فيها أجبر الآخر عليها، فإذا كان العلو تبعا لم يجز أن يجعل التابع سهما والمتبوع سهما لأنا نجعل التابع متبوعا، وهذا لا سبيل إليه.
ولأن السفل والعلو كالدارين المتلاصقتين، وإن كان بينهما داران متلاصقتان فطلب أحدهما أن يجعل إحديهما سهما والأخرى سهما ويقرع بينهما، لم يجبر الممتنع عليها.
ولأن من ملك شيئا ملك قراره أبدا وملك هواء الملك أبدا، بدليل أن له أن يحفر القرار كما يحب ويختار وله أن يبني في الهواء أبدا إلى السماء، فلو جعلنا لأحدهما العلو قطعنا السفل عن الهواء، وقطعنا العلو عن القرار، والقسمة إفراز حق، وليس هذا إفراز حق وإنما هو نقل حق بحق.
فإذا ثبت أنه لا إجبار، فإن تراضيا جاز، لأن السفل والعلو بمنزلة دارين متجاورتين، ولو تراضيا في المتجاورتين على هذا جاز كذلك العلو والسفل.