يبحث الحاكم عن عدالة الشهود، فإذا حصل عنده أنه من أهل القضاء ولاه وكتب له كتابا يعهد إليه فيه بتقوى الله وطاعته في نفسه وفي نظره له، ويأمره أن يتأمل أحوال الشهود ويتعاهد الأطفال والوقوف وغير ذلك مما يليه القضاة.
فإذا كتب له وولاه لم يخل البلد الذي ولاه من أحد أمرين إما أن يكون بعيدا أو قريبا فإن كان بعيدا منقطعا لا يكاد يستفيض الخبر بالولاة أحضر الإمام شاهدين وأشهدهما على نفسه بتوليته، وبما عهده إليه عليهما، فإن كان القاري هو الإمام لم يفتقر إلى مطالعتهما، وإن كان القاري غيره فلا بد أن ينظرا فيه ويقول الإمام قد عهدت بذلك إليه، ثم يبعث بالحاكم ومعه الشاهدان إلى بلد الولاية ليشهدا بذلك للحاكم عند أهله، لا يثبت ولايته إلا بذلك.
وإن كان البلد قريبا من بلد الإمام كالبصرة والكوفة وواسط والموصل من بغداد، وما كان في معناها بحيث تتواتر الأخبار إليه بالتولية، قال قوم اقتصر عليه ويثبت بالاستفاضة كالنسب والموت والملك المطلق وقال آخرون لا يثبت بالاستفاضة كالبلد البعيد والذي أقوله إن الاستفاضة إن بلغت إلى حد يوجب العلم، فإنه يثبت الولاية بها وإن لم يبلغ ذلك لم يثبت.
وأصل هذه ثلاث مسائل اختلفوا فيها: النكاح، والوقف، والعتق فالكل على هذين الوجهين قال قوم تثبت بالاستفاضة، وقال آخرون لا تثبت، ويقوى في نفسي في هذه المسائل أنها تثبت بالاستفاضة، وعليه تدل أخبارنا.
فإذا ثبت هذا وأراد المسير إلى بلد ولايته، فإنه يطلب من أهل ولايته في هذا المكان من يسأله عما يحتاج إليه من حال بلد ولايته، فإن لم يجد ففي طريقه فإن لم يجد أخر ذلك حتى يسأل عما يحتاج إليه في بلد ولايته.
فإذا دخل البلد نزل في وسطه دون طرفه لأنه أقرب للتسوية بين أهله في قصده كما يقال في الخطيب يقبل بوجهه قصد وجهه، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لأنه أقرب إلى التسوية بينهم، فإذا حصل في بلد الولاية نادى فيه وأعلم أهله بقدومه فإن كان