لقوله تعالى " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " إلى قوله " من خلاف " (1) فوصفهم بالمحاربة وأمر بقطعهم من خلاف، وقال بعضهم إن قطع اليد من الحدود التي لا تجب لأجل المحاربة، والأولى أقوى عندي لظاهر الآية.
فإذا تقررت أقسام الحقوق فالكلام بعد هذا فيما يسقط منها، وما لا يسقط، و جملته أنه لا يخلو من أحد أمرين إما أن يقدر عليه قبل التوبة أو بعدها، فإن قدر عليه قبل التوبة لم يسقط شئ منها بحال، لقوله " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " فجعل من شرط سقوطها التوبة قبل القدرة، فلم يوجد الشرط.
وأما إن قدر عليه بعد التوبة فكل حق وجب لأجل المحاربة سقط بمجرد التوبة وهو انحتام القتل والصلب وقطع الرجل لقوله " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " وهؤلاء تابوا قبل القدرة وأما حقوق الآدميين فلا تسقط وضمان الأموال ليست بآثام.
وأما الحدود الواجبة عليه لا لأجل المحاربة كحد الزنا والشرب واللواط، فهل يسقط بمجرد التوبة أم لا؟ قال قوم تسقط بمجرد التوبة، كانحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وقال آخرون لا تسقط بمجرد التوبة كالقصاص وحد القذف والأول يقتضيه مذهبنا.
وأما قطع اليد فمن قال من حدود المحاربة، قال يسقط بمجرد التوبة وهو الذي اخترناه، ومن قال هو كالقطع بالسرقة فهل يسقط بمجرد التوبة على ما مضى قال قوم يسقط وقال آخرون لا يسقط، فأما غيرهم فكل من أتى ما يوجب الحد تم تاب و صلح عمله، فظاهر رواياتنا تدل على أنه يسقط، وقال قوم لا يسقط.
إذا شهد شاهدان أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة قاتلونا وأخذوا متاعنا لم تقبل هذه الشهادة في حق أنفسهما لأنهما شهدا لأنفسهما، ولا تقبل شهادة الانسان لنفسه، ولا تقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن العداوة، وشهادة العدو لا يقبل على عدوه.