وروي عن ابن عباس أنه قال كان للنبي عليه السلام كاتب يقال له السجل.
وصفة الكاتب أن يكون عدلا عاقلا ويجتهد أن يكون فقيها نزها عن الطمع واعتبرنا العدالة لأنه موضع عدالة، واعتبرنا العقل كيلا يخدع، ويكون فقيها ليعرف الألفاظ التي يتعلق الأحكام بها فلا يغيرها، لأن غير الفقيه لا يفرق بين واجب وجائز، وليكون أخف على الحاكم، لأنه يفوض ذلك إليه ولا يحتاج أن يراعيه فيما يكتبه، ويكون نزها بريئا من الطمع كيلا يرتشي فيغير، وأقل أحوال العدالة أن يكون حرا مسلما فلا يتخذ عبدا لأنه ليس بعدل، وعندنا يجوز أن يكون عبدا لأنه قد يكون عدلا، ولا يتخذ كافرا بلا خلاف لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا " وكاتب الرجل بطانته.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي عليه السلام أنه قال ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كان له بطانتان: بطانة يدعوه إلى الخير ويحضه عليه، وبطانة يدعوه إلى الشر ويحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله.
وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " وكاتب الرجل وليه وصاحب سره وعليه إجماع الصحابة أنه لا يجوز أن يكون كاتب الحاكم والإمام كافرا.
ولا ينبغي لقاض ولا وال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتبا ذميا ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلما، وينبغي أن يعز المسلمين لئلا يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق في هذا عذرا، فإن كتب له عبده أو فاسق في حاجة نفسه وضيعته دون أمر المسلمين فلا بأس.
فإذا ثبت صفة الكاتب، فالحاكم بالخيار بين أن يجلسه بين يديه ليكتب ما يكتب وهو ينظر إليه وبين أن يجلسه ناحية عنه، فإن أجلسه بين يديه فكتب وهو ينظر إليه فلا يكاد يقع فيه سهو، ولا غلط، وإن أجلسه ناحية منه عرفه ما يجري بخطابه ليكتب ذلك.