كانت مبقاة على الأصل.
وعندهم إن كانت مسألة اجتهاد استحب له أن يشاور فيها لقوله تعالى:
" وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله " ولم يرد تعالى المشاورة في أحكام الدين وما يتعلق بالشريعة، وإنما أراد ما يتعلق بتدبير الحرب ونحوه بلا خلاف، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله غنيا عن مشاورتهم لكن أراد أن يستن به الحاكم بعده، وقال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " وشاور النبي عليه السلام أصحابه في قصة أهل بدر وأساراه وشاور أهل المدينة يوم الخندق وعليه الاجماع عندهم، وقد قلنا ما عندنا.
وعندهم إذا شاور فينبغي أن يشاور الموافق والمخالف من أهل العلم ليذكر كل واحد منهما مذهبه وحجته، لينكشف الحجاج، ولا يشاور إلا من كان ثقة أمينا عالما بالكتاب والسنة، وأقاويل الناس، ولسان العرب، والقياس، فإذا شاورهم في ذلك واجتهد فيها وغلب على ظنه الحكم فيها فذاك فرضه لا يرجع فيه إلى قول غيره وإن كان غيره أعلم منه، حتى يعلم كعلمه، لأنه لا يصح أن يلي الحاكم حتى يكون ثقة من أهل الاجتهاد، فإن لم يكن كذلك لم يكن حاكما ولم ينفذ له حكم، وكل ما حكم به باطل، وكذلك لا يجوز أن يقلد ويفتي، وقد قلنا إن عندنا أنه لا يتولى الحكم إلا من كان عالما بما وليه، ولا يجوز أن يقلد غيره ولا يستفتيه فيحكم به، فإن اشتبه عليه بعض الأحكام ذاكر أهل العلم لينبهوه على دليله، فإذا علم صحته حكم به وإلا فلا.
وقال قوم في المفتي مثل ما قلناه وقال في القضاء: يجوز أن يكون عاميا يقلد و يقضي، فإذا كان من أهل العلم والاجتهاد لم يكن له تقليد غيره عن قوم وقال آخرون له أن يقلد من هو أعلم منه ويعمل بقوله.
فأما إذا نزلت بالعالم نازلة يفتقر إلى اجتهاد، مثل أن خفيت عليه جهة القبلة وقد دخل وقت الصلاة، نظرت، فإن كان الوقت واسعا لم يكن له التقليد بل يستدل على جهتها لأنه لا يخاف فوات الحادثة.
وإن كان الوقت ضيقا فخاف إن تشاغل بالدلايل والاجتهاد أن تفوته الصلاة قال