(فصل) * (فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل) * لا يجوز للحاكم أن يقبل إلا شهادة العدول، فأما من ليس بعدل فلا تقبل شهادته لقوله تعالى " وأشهدوا ذوي عدل منكم " والعدالة في اللغة أن يكون الانسان متعادل الأحوال متساويا وأما في الشريعة هو من كان عدلا في دينه عدلا في مروته عدلا في أحكامه.
فالعدل في الدين أن يكون مسلما ولا يعرف منه شئ من أسباب الفسق، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ومد الرجل بين الناس، ولبس الثياب المصبغة وثياب النساء وما أشبه ذلك، والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا عندنا، وعندهم أن يكون حرا، فأما الصبي والمجنون فأحكامهم ناقصة فليسوا بعدول بلا خلاف، والعبد كذلك عندهم، وعندنا رقه لا يؤثر في عدالته.
فإذا ثبت هذا فمن كان عدلا في جميع ذلك قبلت شهادته، ومن لم يكن عدلا لم يقبل ذلك، فإن ارتكب شيئا من الكبائر، وهي الشرك والقتل والزنا واللواط والغصب والسرقة وشرب الخمر والقذف وما أشبه ذلك، فإذا فعل واحدة من هذه الأشياء سقطت شهادته، فأما إن كان مجتنبا للكبائر مواقعا للصغاير فإنه يعتبر الأغلب من حاله، فإن كان الأغلب من حاله مجانبته للمعاصي، وكان يواقع ذلك نادرا قبلت شهادته، وإن كان الأغلب مواقعته للمعاصي واجتنابه لذلك نادرا لم تقبل شهادته، وإنما اعتبرنا الأغلب في الصغاير لأنا لو قلنا إنه لا تقبل شهادة من أوقع اليسير من الصغائر، أدى ذلك إلى أن لا يقبل شهادة أحد لأنه لا أحد ينفك من مواقعة بعض المعاصي.
فأما أهل الصنايع الدنية كالحارس والحجام والزبال والقيم وما أشبه ذلك فإذا كانوا عدولا في أديانهم، قال قوم: لا تقبل شهادتهم، لأن من استجاز لنفسه هذه