لم يحكم بكفره، ومتى قال كنت مكرها قبل قوله لأن التوكيل والقيد والحبس إكراه له في الظاهر، كما قلنا فيمن شهد على نفسه في عقد بيع وهو مقيد أو محبوس أو موكل به كان القول قوله أنه مكره.
وإن كان مخيرا في دار الحرب يذهب ويجيئ ويتصرف في أشغاله بغير قيد ولا توكيل، فأتى بكلمة الكفر حكم بكفره لأن الظاهر أنه قالها باختياره وإيثاره لأن كونه في دار الكفر ليس بإكراه.
فأما الإكراه على الاسلام فعلى ضربين إكراه بحق وبغير حق، فإن كان بغير حق كإكراه الذمي عليه والمستأمن، فإنه لا يكون به مؤمنا لأنه إكراه بخير حق لأنه لا يحل قتله.
وإن كان الإكراه بحق كإكراه المرتد والكافر الأصلي إذا وقع في الأسر فالإمام مخير فيه بين القتل والمن والفداء والاسترقاق، فإن قال له إن أسلمت وإلا قتلتك، فأسلم حكم بإسلامه، وكذلك المرتد لأنه إكراه بحق.
فأما إن ثبت أنه يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر في دار الحرب لم يحكم بكفره، لأنه يحتمل أن يكون فعله مع اعتقاده إباحته ويحتمل مع اعتقاده تحريمه فلا يكفر بأمر محتمل فإن مات ورثه ورثته المسلمون بلا خلاف ههنا.
فإن خلف ابنين فقال أحدهما مات مسلما فلي نصف التركة ولأخي النصف، وقال الآخر مات مرتدا فالمال فئ، فعندنا أن هذا القول لا يقبل منه لأنه إن مات مسلما فالمال بينهما، وإن كان مرتدا فالمال أيضا بينهما لأن المسلم عندنا يرث الكافر غير أنه يسلم إلى المنكر نصف التركة لأنه القدر الذي يستحقها على قوله، ويوقف الباقي إلى أن يقبله الآخر لأنه له على كل حال.
وعلى مذهب المخالف يعطى من قال كان مسلما حقه ولم يعط الباقي شيئا لأنه لا يدعيه، وما الذي يعمل به؟ قال قوم: يوقف لأنه لا يمكن تسليمه إلى أخيه لأنه يقول ليس لي وإنما هو لأخي، والآخر يقول ليس لي فلا يدفع إليه ولا يحمل إلى بيت المال لأنه حكم بأن له وارثا، فلم يبق غير الوقف ليرتفع الشبهة.