كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية فلما وصل الكتاب إليه قام قائما ووضعه على رأسه واستدعى مسكا فوضعه فيه، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فقال: اللهم ثبت ملكه.
وكتب إلى ملك الفرس كتابا " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كسرى بن هرمز أن أسلموا تسلموا والسلام " فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزقه وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال تمزق ملكه.
قال الشعبي نقلت كتب رسول الله صلى الله عليه وآله على أربعة أضرب واستقرت على الرابعة كان يكتب في أول كتابه بسمك اللهم ثم يكتب بعده ما أراد على عادة الجاهلية، ثم نزل قوله تعالى " بسم الله مجريها ومرسيها " فكتب بسم الله، فلما نزل قوله " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا " كتب " بسم الله الرحمن " فلما نزل قوله إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فاستقر الأمر عليه إلى اليوم.
وذكروا أن عليه إجماع الأعصار لأنه لم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم عصرا بعد عصر يكتب بعضهم إلى بعض ولأن بالناس حاجة إليه.
وهذا كله ليس فيه دلالة: أما كتب النبي عليه وآله السلام فإنما عمل عليها لأنها كانت معلومة وهي حجة لأن قوله حجة، وإنما الخلاف فيمن ليس بمعصوم ولا يدري هل هو كتابه أم لا، هل يعمل به أم لا؟ فأما كتبه إلى كسرى وقيصر فإنه دعاهم فيها إلى الله والإقرار بنبوته، وذلك عليه دليل غير الكتاب، ولا خلاف عندنا أنه لا يقبل فيه كتاب قاض إلى قاض، والإجماع غير مسلم لأنا نخالف فيه.
فمن أجاز ذلك أجاز كتاب قاضي مصر إلى قاضي مصر، وقاضي قرية إلى قاضي قرية، وقاضي مصر إلى قاضي قرية، وقاضي قرية إلى قاضي مصر، لأن أحدا لا يولي القضاء إلا وهو ثقة مأمون، وإذا كان كذلك لم يختلف باختلاف موضع ولايته، فإذا ثبت فكتب قاض إلى قاض كتابا لم يجز أن يحكم بما فيه ولا يمضيه حتى يثبت عنده بالبينات أنه كتاب فلان إليه، سواء وصل مختوما أو غير مختوم، وقال قوم إذا وصل مختوما حكم به وأمضاه.