إذا قال لفلان علي ألف درهم وقد قضيتها فقد اعترف بألف وادعى قضاءها فلا يقبل قوله في القضاء، لأنه قد أقر بألف وادعى قضاءها فقبل قوله فيما عليه دون ماله وقال قوم يقبل منه لأنه لما ثبت بقوله صح أن يسقط بقوله، كقوله له علي مائة إلا تسعين، فإن الاستثناء يقبل منه كذلك والأول أصح عندنا.
فإذا تقرر هذا، فإذا ادعى على غيره مائة فقالت قضيتك منها خمسين فقد اعترف بها، لأنه لا يقول قضيتك خمسين إلا عما لزمه، وحصل به في ذمته ولكنه وصل بإقراره القضاء، فهل يقبل منه على قولين أحدهما وهو الصحيح أنه لا يقبل، والثاني يقبل، فأما الكلام في الخمسين الباقية، فلا يكون مقرا بها، لأن قوله قضيتك منها خمسين يحتمل قضيتك مما ادعيت، ويحتمل قضيتك مما علي خمسين، فإذا احتمل الأمرين لا يلزمه، لأنا لا نلزمه حقا بالشك.
فإن اختلف المكري والمكتري في شئ من الدار المكراة نظرت، فإن كان متصلا بها كالأبواب والدرجة والأساطين والطوابيق، فالكل للمكري وإن كان مما ينقل ويحول كالأثاث والأواني وما ينقل فالكل للمكتري، لأن العادة أن الانسان إنما يكري داره فارغة عن رحله وقماشه، فأما الرفوف فيها، فإن كانت مسمرة فهي للمكري كالدرجة والسلم المستمرة، وإن لم تكن مستمرة، وإنما وضعت على أوتاد قال قوم حلف كل واحد منهما لصاحبه وكانت بينهما، لأن أحدهما ليس بأولى بها من صاحبه، فإن العادة لم تجر أن المكري يحول مثل هذا عن الدار والعادة جارية أن مثل هذا يفعله المكتري لنفسه، فلا مزية لأحدهما على الآخر فكانت بينهما، كما لو كانت معا في جوف الدار فتنازعاها.
فإن تنازعا مسناة بين نهر لرجل وضيعة لآخر، فقال رب النهر: المسناة لي فناء نهري تجمع ماء النهر إليه وتمنعه أن يخرج عنه، وقال رب الضيعة بل المسناة لي، ترد الماء عن ضيعتي وهي حاجز بيني وبين نهرك، حلف كل واحد منهما لصاحبه وكانت بينهما لأن كل واحد منهما ينتفع بها من وجه، وهي تجاور ملكهما، فهو كما لو تنازع صاحب العلو والسفل في السقف الذي هو سماء السفل وأرض العلو