ذلك فهل له أن يقضي بعلمه أم لا؟ قال قوم لا يقضي بعلمه، وقال آخرون له أن يحكم بعلمه، وفيه خلاف.
ولا خلاف أنه يقضي بعلمه في الجرح والتعديل بدليل أنه لو علم الجرح وشهدوا عنده، ترك الشهادة وعمل بعلمه، ولأنه لو لم يقض بعلمه أفضى إلى إيقاف الأحكام أو فسق الحكام.
لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلاف الزوج وتسليمها إليه فسق، وإن لم يحكم له وقف الحكم وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد وإذا غصب من رجل ماله ثم جحد يفضي إلى ما قلناه.
والذي يقتضيه مذهبنا ورواياتنا أن للإمام أن يحكم بعلمه، وأما من عداه من الحكام فالأظهر أن لهم أن يحكموا بعلمهم، وقد روي في بعضها أنه ليس له أن يحكم بعلمه لما فيه من التهمة.
للإمام أن يولي القضاء في الموضع الذي هو فيه وفي غيره، سواء أطاق النظر فيه بنفسه أو لم يطقه، بلا خلاف.
روي أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لبعض أصحابه اقض بينهما قال: أقضي بينهما وأنت ههنا؟ فقال: اقض بينهما! تمام الخبر.
وروي أن رجلين كانا يختصمان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى علي عليه السلام فقاما إليه فأعرض عنهما لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي لعلي أيسرك أن تقضي بينهما فقضى بينهما.
وروي أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وآله فقال أحدهما: إن لي حمارا ولهذا بقرة وإن بقرته قتلت حماري، فقال لأبي بكر: اقض بينهما، فقال أبو بكر لا ضمان على البهائم، فقال لعمر اقض بينهما، فقال مثل ذلك، فقال لعلي عليه السلام اقض بينهما فقال على: أكانا مرسلين؟ قالا لا؟ قال أكانت البقرة مشدودة والحمار مرسلا؟ قالا لا قال أكان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة قالا نعم قال: على صاحب البقرة الضمان.