إذا حضر عند الحاكم رجل فادعى على غايب حقا سمع الحاكم دعواه لأنه يحتمل ما يدعيه، فإن أقام بينة سمعها الحاكم وكتب بما سمع بلا خلاف، لأن بالناس حاجة إلى ذلك لأنه يتعذر عليه أن يسافر بالبينة لتشهد له في ذلك البلد، وإن خرج وحده لم يقبل منه.
فإذا سمعها فسأل المدعي القاضي أن يقضي له على الغائب بما ثبت عنده، كان له أن يقضي عليه خلافا لمن خالف فيه، وإنما يقضي بشرطين عدالة الشهود مع يمين المدعي، أما العدالة فلا بد منها فإن عرفهما عدلين وإلا بحث، فإذا عرفهما عمل عليها.
فإذا شهد له عدلان استحلفه لجواز أن يكون قد قبض الحق ولا علم بذلك الشهود، فلهذا يستحلف مع بينته، وهكذا كل من أقام البينة على من لا يعبر عن نفسه لم يحكم الحاكم حتى يستحلفه مع بينته، وهو القضاء على الصبي والميت والغائب.
وصفة اليمين أن يحلف ما قبضت هذا الحق، ولا شيئا منه، ولا برئ لي منه، ولا من شئ منه، وإن حقي لثابت عليه إلى اليوم، هذا هو الأحوط، فإن اقتصر على أن يحلف أن حقه لثابت أجزأه.
فإذا حلفه وحكم له على الغائب لم يخل من أحد أمرين إما أن يقدر الحاكم على استيفاء الحق أو لا يقدر، فإن قدر نظرت فإن كان الحق عينا قايمة كالدار والدابة والثوب أعطاه حقه، وإن دينا نظرت فإن كان في ماله من جنس الدين قضاه منه وإن لم يكن من جنسه باعه الحاكم بجنس الدين وأعطاه من جنس حقه كما يفعل في الحاضر إذا ثبت الحق عليه، إن أعطاه، وإلا كلفه البيع، فإن لم يفعل عزره فإن لم يفعل باع القاضي عليه ماله في ذمته، كذلك ههنا.
فإن لم يقدر الحاكم أن يعطيه حقه وسأل المحكوم له القاضي أن يكتب له كتابا بما حكم له، فقدم المحكوم عليه قبل كتب الكتاب عليه أو بعده، الباب واحد فالحاكم يحضره ويعرفه أن فلانا ادعى عليك كذا وكذا، وأقام البينة به وحلفته وحكمت له عليك بالحق فإن اعترف به فلا كلام غير أنه يكلفه الإقباض، وإن أنكر الحق لم يلتفت إليه.