وجملته أن المعصية لا يخلو من أحد أمرين إما أن يجب بها حق أو لا يجب، فإن لم يجب بها حق مثل أن قبل أجنبية أو لمسها بشهوة أو وطئها فيما دون الفرج فتوبته ههنا الندم على ما كان والعزم على أن لا يعود، فإذا فعل هذا فقد تاب لقوله تعالى " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم " فإذا أتى بالاستغفار وترك الإصرار صحت توبته وغفر الله ذنبه.
وأما إن كانت المعصية مما يجب بها حق لم يخل من أحد أمرين فإما أن يكون حقا على البدن أو في مال، فإن كانت في مال كالغصب والسرقة والاتلاف، فتوبته الندم على ما كان، والعزم على أن لا يعود، والخروج من المظلمة بحسب الإمكان فإن كان موسرا بها متمكنا من دفعها إلى مستحقها خرج إليه منها، فإن كانت قايمة ردها وإن كانت تالفة رد مثلها، إن كان لها مثل، وقيمتها إن لم يكن لها مثل، وإن كان قادرا غير أنه لا يتمكن من المستحق لجهله به أو كان عارفا غير أنه لا يقدر على الخروج إليه منها فالتوبة بحسب القدرة وهو العزم على أنه متى تمكن من ذلك فعل وكذلك إذا منع الزكاة مع القدرة عليها فهي كالدين والمظالم وقد بيناه.
هذا إذا كانت المعصية حقا في مال فأما إن كانت المعصية حقا على البدن، لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون لله أو للآدميين، فإن كان للآدميين وهو القصاص وحد القذف فالتوبة الندم على ما كان، والعزم على أن لا يعود، والتمكين من الاستيفاء من حد أو قصاص كالأموال سواء.
وأما إن كان حقا لله كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون مشتهرا أو مكتوما، فإن كان مكتوما لا يعلم به الناس ولم يشتهر ذلك عليه، فالتوبة الندم على ما كان، والعزم على أن لا يعود، والمستحب له أن يستر على نفسه ويكون على الكتمان لقوله عليه السلام " من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستره بستر الله فإن من أبدا لنا صفحته أقمنا عليه حد الله ".