[القضاء على الغائب] إذا حضر رجل عند الحاكم فادعى على غايب حقا سمع الحاكم دعواه لجواز صدقه في ما يدعيه، كما لو كان حاضرا، فإن أقام البينة بما يدعيه سمعها الحاكم، فإذا سمعها لم يخل المدعي من أحد أمرين إما أن يسأله القضاء بما ثبت عنده أو لا يسأله.
فإن لم يسأله وقال قد اقتصرت على هذا القدر أكتب به إلى حاكم البلد الذي فيه الغائب كتابا، كتب له، فإن عرف عدالتهما كتب بعدالتهما، وإن لم يعرف كتب وقال: حضرني فلان بن فلان فادعى على فلان بن فلان كذا وكذا، وأقام به شاهدين فلانا وفلانا، ليكون المكتوب إليه هو الباحث عن عدالتهما فيفعل هذا كل ذلك بلا خلاف.
وأما إن سأله أن يقضي له على هذا الغائب بما ثبت عنده أجابه إلى ذلك بعد أن يستحلفه عن حقه الذي شهد الشاهدان أنه ثابت إلى وقتنا هذا، فإذا حلف حكم عليه وكتب به كتابا، وهكذا قولهم في القضاء على الصبي والمجنون والميت الكل واحد، لأن كل واحد لا يعبر عن نفسه، فلو كان الغائب حاضرا أكثر ما يفعله أن يدعي ما يسقط الحق وقد استحلفناه له أن حقه باق، وهكذا لو لم يكن غايبا لكنه هرب من مجلس الحكم، فإنه يحكم عليه لأنه غير مقدور عليه كالغايب.
فأما إن كان حاضرا في مجلس الحكم فليس له أن يقضي عليه بغير علمه، لأنه إذا ادعى عليه يقدر أن يسأله عن الجواب، فإن أقام البينة يمكن من الجرح المطلق فيقف الحكم به فلهذا لم يقض عليه.
وأما إن كان حاضرا في البلد غير ممتنع من الحضور فهل له أن يقضي عليه وهو غايب عن مجلس الحكم أم لا؟ قال قوم له ذلك، لأنه غايب عن مجلس الحكم، والصحيح أنه لا يقضي عليه لأنه مقدور على إحضاره، والقضاء على الغائب إنما جاز لموضع الحاجة وتعذر إحضاره، فالقضاء على الغائب يجوز عندنا في الجملة و عند جماعة.