إذا جلس الخصمان بين يديه فلا ينهرهما يعني لا يصيح عليهما في غير موضعه فلا يتمكن ذو الحجة من إيراد حجته على وجهها، ولا يتعنت شاهدا ولا يتعقبه والتعنت أن يفرق الشاهدين وهما من أهل السر والضبط والقول السديد، فلا يفعل هذا بهما، لأن فيه منقصة عليهما وقدحا في رأيهما. ومعنى لا يتعقبه أي لا يداخله في الشهادة ولا يتعقبه في الألفاظ عند إقامة الشهادة بل يدعه حتى ينتهي ما عنده على ما شهد به.
إذا جلس الخصمان بين يديه لم يكن له أن يلقن أحدهما ما فيه ضرر على خصمه، ولا يهديه إليه، مثل أن يقصد الاقرار فيلقنه الانكار، أو يقصد اليمين فيلقنه ألا يحلف، وكذلك في الشهادة إذا أحس منه التوقف في شهادته لم يكن له أن يشير عليه بالإقدام عليها، وإذا أحس منه الإقدام عليها لا يلقنه التوقف عنها، لأن عليه أن يسوي بينهما فيما يجد السبيل إليه فإذا لقن واحدا منهما فقد ظلم الآخر وأفضى إلى إيقاف حقه.
هذا فيما يتعلق بحقوق الآدميين فأما ما يتعلق بحقوق الله، فإنه يجوز التلقين فيها والتنبيه على ما يسقطها، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقن ماعز بن مالك حين اعترف بالزنا، فقال لعلك قبلتها لعلك لمستها، ولأن هذه الحقوق إذا ثبت باعترافه سقطت بإنكاره.
وإذا جلسا بين يديه جاز أن يقول تكلما بمعنى يتكلم المدعي منكما أو يصرح بهذا فيقول يتكلم المدعي منكما، أو يسكت الحاكم ليقول القايم على رأسه لهما ذلك، لأنهما قد نهيا عن الابتداء بالكلام حتى يأذن لهما فيه وإن سكت ولم يقل شيئا حتى يكون الابتداء منهما بالكلام جاز لأنهما للكلام حضرا.
ولا يقول لواحد منهما تكلم لأنه إذا أفرده بالخطاب كسر قلب الآخر، ومتى بدأ أحدهما بالكلام بإذن أو بغير إذن وجعل يدعي على صاحبه، منع صاحبه عن مداخلته لأنه يفسد عليه نظام الدعوى.
وأقل ما على الحاكم أن يمنع كل واحد منهما أن ينال من عرض صاحبه لأنه