المتكالب على لذات الدنيا خارج عن أفق الإنسانية، وداخل في جريدة البهائم إذ الحرص على شهوات البطن والفرج من لوازم البهيمية وأحرص الناس على الشهوات لا يبلغ رتبة البهائم في ذلك. فما من حريص على التنعم في البطن إلا والحمار أكثر أكلا منه، وما من حريص على الجماع إلا والخنزير أشد نزوا منه. فظهر أن الحريص في مرتبة الخنزير والحمار واليهود والهندو، والقانع لا يساهمه في الرتبة إلا الأنبياء والأولياء. وبعد التأمل في جميع ما ذكر، يتم العلاج العلمي، وبه تسهل إزالة الحرص واكتساب القناعة. فليبادر إلى العلاج العملي، وهو العمل بالاقتصاد في أمر المعيشة، ليسد أبواب الخرج ما أمكن، ورد النفس إلى ما لا بد منه. فإن من كثر خرجه واتسع إنفاقه، لم تمكنه القناعة، فإن كان وحده، اكتفى بثوب خشن، ويقنع بأي طعام كان ويقلل من الأدام ما أمكنه، وهكذا الحال في سائر ما يضطر إليه ويوطن نفسه عليه. وإن كان له عيال رد كل واحد منهم إلى هذا القدر. وإذا بنى أمره على الاقتصاد، لم يحتاج إلى كثير جهد وإن كان معيلا. قال رسول (ص) " ما عال من اقتصد " (65). وقال (ص): " ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغناء والفقر، والعدل في الرضا والغضب " وقال: " التدبير نصف المعيشية ". وقال: " من اقتصد أغناه الله، ومن بذر أفقره الله ". وقال: " الاقتصاد، وحسن الصمت، والهدى الصالح جزء من بضع وعشرين جزءا من النبوة ". وقال أمير المؤمنين عليه السلام " القصد مثراة والسرف متواة " (66) وقال السجاد عليه السلام -: " لينفق الرجل بالقصد وبلغة الكفاف، ويقدم منه الفضل لآخرته، فإن ذلك أبقى للنعمة، وأقرب إلى المزيد من الله تعالى، وأنفع في العافية ". وقال الصادق عليه السلام: " إن القصد أمر يحبه الله، وإن السرف أمر يبغضه الله،
(٨١)