عليه، وقال - بعد عودته إلى صورته الأولى وإفاقته -: " ما ظننت أحدا من خلق الله هكذا! قال له: فكيف لو رأيت إسرافيل؟ إن العرش على كاهله، وإن رجليه قد مرقتا تخوم الأرضين السفلى، وإنه ليتصاغر من عظمة الله حتى يصير كالوصع! ": أي كالعصفور الصغير. وقال (ص):
" مررت ليلة أسري بي - أنا وجبرئيل - بالملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله ": أي كالكساء الذي يلقى على ظهر البعير.
فأنظر إلى أعاظم الملائكة والنبيين، كيف تصير حالهم من شدة الخشية والتعظيم، وهذا إنما هو لقوة معرفتهم الله وجلاله، وفرق ما لم يدركوه من عظمته وقدرته مراتب غير متناهية. فاختلاف الناس في مراتب الخوف والتعظيم والحب والأنس إنما هو بحسب اختلافهم في معرفة الله، وليس يمكن أن يوجد من بلغ غايتها، فاختلاف الناس إنما هو في القدر الذي يمكن أن يبلغ إليه، والبلوغ إليه في الجميع أيضا نادر، فالصادق في جميع المقامات عزيزا جدا.
ومن علامات هذا الصدق: كتمان المصائب والطاعات جميعا، وكراهة اطلاع الخلق عليها. وقد روي: " أن الله تعالى أوحى إلى موسى (ع):
أني إذا أحببت عبدا ابتليته ببلايا لا تقوى لها الجبال، لأنظر كيف صدقه، فإن وجدته صابرا اتخذته وليا وحبيبا، وإن وجدته جزوعا يشكوني إلى خلقي خذلته ولم أبال ". وقال الصادق (ع): " إذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب، فانظر في صدق معناك وعقد دعواك، وغيرهما بقسطاط من الله عز وجل كأنك في القيامة، قال الله عز وجل:
" والوزن يومئذ الحق " (2).
فإذا اعتدل معناك بغور دعواك ثبت لك الصدق. وأدنى حد الصدق ألا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان، ومثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع لروحه، إن لم ينزع فماذا يصنع " (3).