عزمه نوع ميل وضعف وتردد، كان عزمه كاذبا، إذ التردد في العزيمة يضاد الصدق فيها، وكان الصدق هنا بمعنى القوة والتمامية، كما يقال: لفلان شهوة صادقة، أي قوة تامة، أو شهوة كاذبة، أي ناقصة ضعيفة.
الرابع - الصدق في الوفاء بالعزم: فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لا مشقة في الوعد، فإذا حان حين العمل بمقتضاه، هاجت الشهوات وتعارضت مع باعث الدين، وربما غلبته بحيث انحلت العزيمة ونم يتفق الوفاء بمتعلق الوعد، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله سبحانه:
" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " (1).
الخامس - الصدق في الأعمال: وهو تطابق الباطن والظاهر، واستواء السريرة والعلانية، أو كون الباطن خيرا من الظاهر، بألا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، لا بأن يترك الأعمال، بل بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر. وهذا أعلى مراتب الإخلاص، لإمكان تحقق نوع من الإخلاص بما دون ذلك، وهو أن يخالف الباطن الظاهر من دون قصد، فإن ذلك ليس رياء. فلا يمتنع صدق اسم الإخلاص عليه.
توضيح ذلك: إن الرياء هو أن تقصد غير الله سبحانه في الأعمال، وقد تصدر عن إنسان أعمال ظاهرة تدل على أنه صاحب فضيلة باطنة، من التوجه إلى الله والأنس به، أو السكينة والوقار، أو التسليم والرضا وغير ذلك، مع أنه فاقد لها، لحصول الغلبة المانعة عن تحققها، أو اتفاق صدور الأعمال الظاهرة بهذه الهيئة من دون أن يقصد بها مشاهدة غيره سبحانه، فهذا غير صادق في عمله، كاذب في دلالة الظاهر على الباطن. وإن لم يكن مرائيا ولا ملتفتا إلى الخلق، فإذن مخالفة الظاهر للباطن إن كانت من قصد سميت رياء، ويفوت بها الإخلاص، وإن كانت من غير قصد سميت كذبا ويفوت بها الصدق، وربما لم يفت بها بعض مراتب الإخلاص. وهذا النوع من الصدق - أعني مساواة السر والعلانية أو كونه خيرا منها - أعز من الأنواع السابقة عليه، ولذلك كرر طلبه من الله سيد الرسل (ص) في دعواته بقوله: " اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي