صالحة ". وورد: " أنه إذا ساوت سريرة المؤمن علانيته، باهى الله به الملائكة، يقول: هذا عبدي حقا! ". وكان بعض الأكابر يقول: " من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنار؟ ". ولنعم ما قيل:
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى * فقد عز في الدارين واستوجب الثنا وإن خالف الإعلان سرا فما له * على سعيه فضل سوى الكد والعنا كما خالص الدينار في السوق نافق * ومغشوشه المردود لا يقتضي المنى ومن جملة هذا الصدق: موافقة القول والفعل، فلا يقول ما لا يفعل و لا يأمر بما لا يعمل. فمن وعظ ولم يتعظ في نفسه كان كاذبا. ومن هنا قال أمير المؤمنين (ع): " إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها ".
السادس - الصدق في مقامات الدين: من الصبر، والشكر، والتوكل، والحب، والرجاء، والخوف، والزهد، والتعظيم، والرضا والتسليم، وغير ذلك. وهو أعلى درجات الصدق وأعزها، فمن اتصف بحقائق هذه المقامات ولوازمها وآثارها وغاياتها فهو الصديق الحق، ومن كان له فيها ما يطلق عليه الاسم دون اتصافه بحقائقها وآثارها وغاياتها فهو كاذب فيها. أما ترى أن من خاف سلطانا أو غيره كيف يصفر لونه ويتعذر عليه أكله ونومه ويتنغص عليه عيشه ويتفرق عليه فكره وترتعد فرائصه وتتزلزل أركانه وجوانبه؟ وقد ينزح عن وطنه ويفترق عن أهله وولده، فيستبدل بالأنس الوحشة، وبالراحة التعب والمشقة، فيعترض للأخطار ويختار مشقة الأسفار، كل ذلك من درك المحذور. فمثل هذا الخوف هو الخوف الصادق المحقق. ثم إن من يدعي الخوف من الله أو من النار، ولا يظهر عليه شئ من ذلك عند إرادة المعصية وصدورها عنه، فخوفه خوف كاذب. قال النبي (ص): " لم أر مثل النار نام هاربها، ولم أر مثل الجنة نام طالبها ".
ثم لا غاية لهذه المقدمات حتى يمكن لأحد أن ينال غايتها، بل لكل عبد منها حظ بحسب حاله ومرتبته، فمعرفة الله وتعظيمه والخوف منه غير متناهية، فلذلك لما رأى (ص) جبرئيل على صورته الأصلية، خر مغشيا