التأثير والفائدة أيضا. إذ الفاسق إذ منع غيره قهرا عن الزنا واللواط وشرب الخمر، وأراق الخمور، وكسر آلات الملاهي، حصل التأثير والفائدة بلا شبهة. والحاصل: إن أحد نوعي الاحتساب - أعني الوعظي - يتوقف تأثيره على العدالة، وأما نوعه الآخر - أعني القهري - فلا يتوقف عليه مطلقا.
فإن قيل: إذا أتى رجل امرأة إكراها، وهي مستورة الوجه، فكشفت وجهها باختيارها، فما أشنع وأقبح أن ينهاها الرجل في أثناء الزنا عن كشف وجهها، ويقول لها: أنت مكرهة في الزنا ومختارة في كشف الوجه لغير المحرم وما أنا بمحرم لك، فاستري وجهك.
قلنا: القبح والاستنكار إنما هو لأجل أنه ترك الأهم واشتغل بما هو الأهون، كما إذا ترك المشتبه وأكل الحرام، أو ترك الغيبة وشهد بالزور، لا لأن هذا النهي هو حرام في نفسه، أو خرج عن الوجوب إلى الإباحة أو الكراهة. ولأن نهيه هذا خرج بفسقه عن التأثير والفائدة، فالاستنكار عليه وتقبيح نهيه عن هذا من حيث إنه نزل نفسه مقام من يؤثر قوله، مع أنه لا يؤثر، كما تقدم آنفا.
ثم ما ذكرناه من عدم اشتراط العدالة في العمل بما يأمر به وينهى عنه إنما هو في آحاد الحسبة الصادرة من أفراد الرعية المطلعين على المنكر، وأما من نصب نفسه لإصلاح الناس ونصحهم، وبيان الأحكام الإلهية نيابة عن رسول الله (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام، فلا بد فيه من العدالة والتقوى والعلم بالكتاب والسنة، وغير ذلك من شرائط الاجتهاد. وعلى هذا يحصل جواب آخر عن الآيات والأخبار الواردة في الإنكار على الواعظ غير المتعظ بتخصيصها به دون أفراد الرعية. وعليه يحمل قول الصادق (ع) في (مصباح الشريعة) (14): " من لم ينسلخ عن هواجسه، ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها، ولم يهزم الشيطان، ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته، لا يصلح له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه إذا لم يكن بهذا الصفة، فكلما أظهر أمرا كان حجة عليه، ولا ينتفع الناس به. قال الله عز وجل: