حب مباحات الدنيا والتنعم فيها. والأول لا كراهة فيه بوجه، بل هو مندوب إليه. والثاني وإن لم يكن حراما، إلا أنه ينقص درجته في الدين، ويحجب عن المقامات الرفيعة، لمنافاته الزهد والتوكل والرضا.
ثم الغبطة لو كانت مقصورة على مجرد حب الوصول إلى مثل ما للمغبوط، لكونه من مقاصد الدين والدنيا، من دون حب مساواته له وكراهة نقصانه عنه، فلا حرج فيه بوجه، وإن كان معه حب المساواة وكراهة التخلف والنقصان، فهنا موضع خطر. إذ زوال النقصان إما بوصوله إلى نعمة المغبوط أو بزوالها عنه، فإذا انسدت إحدى الطريقتين تكاد النفس لا تنفك عن شهوة الطريقة الأخرى. إذ يبعد أن يكون إنسان مريدا لمساواة غيره في النعمة فيعجز عنها، ثم لا ينفك عن ميل إلى زوالها، بل الأغلب ميله إليه، حتى إذا زالت النعمة عنه كان ذلك عنده أشهى من بقائها عليه، إذ بزوالها يزول نقصانه وتخلفه عنه. فإن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة عنه، كان حاسدا حسدا مذموما.
وإن منعه مانع العقل من ذلك السعي، ولكنه وجد من طبعه الفرح والارتياح بزوال النعمة عن المغبوط، من غير كراهة لذلك ومجاهدة لدفعه، فهو أيضا من مذموم الحسد، وإن لم يكن في المرتبة الأولى. وإن كره ما يجد في طبعه من السرور والانبساط بزوال النعمة بقوة عقله ودينه، وكان في مقام المجاهدة لدفع ذلك عن نفسه، فمقتضى الرحمة الواسعة أن يعفى عنه، لأن دفع ذلك ليس في وسعه وقدرته إلا بمشاق الرياضات. إذ ما من إنسان إلا ويرى من هو فوقه من معارفه وأقاربه في بعض النعم الإلهية، فإذا لم يصل إلى مقام التسليم والرضا، كان طالبا لمساواته له فيه، وكارها عن ظهور نقصانه عنه. فإذا لم يقدر أن يصل إليه، مال طبعه بلا اختيار إلى زوال النعمة عنه، واهتز وارتاح به حتى ينزل هو إلى مساواته.
وهذا وإن كان نقصا تنحط به النفس عن درجات المقربين، سواء كان من مقاصد الدنيا أو الدين، إلا أنه لكراهته له بقوة عقله وتقواه، وعدم العمل بمقتضاه، يعفى عنه إن شاء الله، وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له.
وقد ظهر من تضاعيف ما ذكر: أن الحسد المذموم له مراتب أربع: