إنه يعيبه، ويقول فيه ما لا يجوز في الشريعة، فيكون ظالما عليه، فيحمل بعضا من أوزاره وعصيانه، وتنقل صالحات أعماله إلى ديوانه، فحسده لا يؤثر فيه إلا خيرا ونفعا، ومع ذلك يكون في مقام التعاند والتضاد مع رب الأرباب وخالق العباد، إذ هو الذي أفاض النعم والخيرات على البرايا كما شاء وأراد بمقتضى حكمته ومصلحته، فحكمته الحقة الكاملة أوجبت بقاء هذه النعمة على هذا العبد، والحاسد المسكين يريد زوالها، وهل هو إلا سخط قضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض، وتمنى انقطاع فيوضات الله التي صدرت عنه بحسب حكمته وإرادة خلاف ما أراد الله على مقتضى مصلحته؟! بل هو يريد نقصه سبحانه، وعدم اتصافه بصفاته الكمالية.
إذ إفاضة النعم منه سبحانه في أوقاتها اللائقة على محالها المستعدة من صفاته الكمالية التي عدمها نقص عليه تعالى، وإلا لم يصدر عنه، وهو يريد ثبوت هذا النقص، ثم لتمنيه زوال النعم الإلهية التي هي الوجودات ورجوع الشرور إلى الإعدام يكون طالبا للشر ومحبا له. وقد صرح الحكماء بأن من رضي بالشر، ولو بوصوله إلى العدو، فهو شرير. فالحسد أشد الرذائل، والحاسد شر الناس. وأي معصية أشد من كراهة، راحة مسلم من غير أن يكون له فيها مضرة؟ ولذا ورد به الذم الشديد في الآيات والأخبار، قال الله سبحانه في معرض الإنكار:
" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " (1). وقال: " ود كثير من أهل الكتاب أن يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم " (2). وقال: " إن تمسكم حسنة تسؤوهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها " (3).
وقال رسول الله (ص): " الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب ". وقال (ص): " قال الله عز وجل لموسى بن عمران: يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدن عينيك إلى ذلك،