الأخذ مع مشروعية الغرض وعدم كونه واجبا عليه.
الرابعة - أن يطلب به حصول التودد والمحبة، ولكن لا من حيث إنه تودد فقط، بل ليتوصل بجاهه إلى أغراض ينحصر جنسها وإن لم ينحصر عينها، وكان بحيث لولا جاهه لكان لا يهدى إليه، فإن كان جاهه لأجل علم أو ورع أو نسب فالأمر فيه أخف، والظاهر كون الأخذ حينئذ مكروها، لأنه هدية في الظاهر مع كونه مشابها للرشوة. وإن كان لأجل ولاية تولاها، من قضاء أو حكومة أو ولاية صدقة أو وقف أو جباية مال أو غير ذلك من الأعمال السلطانية، فالظاهر كون ما يأخذه حراما لو كان بحيث لا يهدى إليه لولا تلك الولاية، لأنه رشوة عرضت في معرض الهدية، إذ القصد بها في الحال طلب التقرب والمحبة، ولكن لأمر ينحصر في جنسه، لظهور أن ما يمكن التوصل إليه بالولايات ماذا، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: " يأتي على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية، والقتل بالموعظة، يقتل البرئ لتوعظ به العامة ". وروي:
" أنه (ص) بعث واليا على صدقات الأزد، فلما جاء أمسك بعض ما معه، وقال: هذا لكم وهذا لي هدية. فقال (ص): ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هدية إن كنت صادقا! ثم قال: ما لي استعمل الرجل منكم، فيقول: هذه لكم وهذه هدية لي، ألا جلس في بيت أمه ليهدى له! والذي نفسي بيده! لا يأخذ منكم أحد شيئا بغير حقه إلا أتى الله بحمله، ولا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر... ثم رفع يديه حتى رأوا بياض إبطيه، وقال: اللهم هل بلغت؟ " (12).
وعلى هذا، فينبغي لكل وال أو حاكم وقاض وغيرهم من عمال السلاطين، أن يقدر نفسه في بيت أبيه وأمه معزولا بلا شغل، فما كان يعطى حينئذ يجوز له أن يأخذه في ولايته أيضا، وما لا يعطى مع عزله ويعطى لولايته يحرم أخذه، وما أشكل عليه من عطايا أصدقائه فهو شبهة، وطريق الاحتياط فيها واضح.