ومجالس الخمر، ومقامات الفساق، وتنعم الأغنياء، وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، وأمثال ذلك. فكل ذلك من رداءة القوة الشهوية وخباثتها.
ثم لما كانت أنواع الباطل غير محصورة لكثرتها، فالخوض فيه أيضا كذلك، وتكون له أنواع غير متناهية، ولا يفتح باب كلام إلا وينتهي إلى واحد منها، فلا خلاص منه إلا باقتصار الكلام على قدر الحاجة من مهمات الدين والدنيا. وربما وقعت من الرجل من أنواع الخوض في الباطل كلمة تهلكه وهو مستحقر لها، فإن أكثر الخوض في الباطل حرام، ولذا قال رسول الله (ص): " أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل ".
وإليه الإشارة بقوله تعالى:
" وكنا نخوض مع الخائضين " (25). وقوله تعالى: " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " (26).
وقال (ص): " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة " (27). وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -:
" أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة، أكثرهم كلاما في معصية الله ". وكان رجل من الأنصار يمر على مجلس الخائضين في الباطل، فيقول لهم:
" توضؤا، فإن بعض ما تقولون شر من الحدث ".
ثم الخوض في الباطل هو ذكر محظورات سبق وجودها بمجرد شهوة النفس، من دون حاجة داعية إليه، فلا مدخلية له بمثل الغيبة والنميمة والفحش والمراء والجدال وأمثالها، ويدخل فيه الخوض في حكايات البدع والمذاهب الفاسدة، فإن الحديث عنها خوض في الباطل، وورد النهي عنه.