فلا يمكن الاخذ باطلاق اية المسح ولو بعد تقييدها بكونه ببقية بلل الوضوء وكذا الاخذ باطلاق الأوامر الكثيرة الواردة في الاخبار التي لا تحصى لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن جدا ولا يرفع هذا الاستهجان التقييد المزبور لامكان الاخذ من بقية البلل بسائر الآلات والمسح بها وكذا لا يمكن الالتزام باهمال هذه الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان بدعوى عدم كونها مسوقة لبيان تمام ما يعتبر في الوضوء بل المقصود منها بيانه في الجملة وان تعيين آلة المسح موكول إلى مقام آخر لان فساد هذه الدعوى أوضح من سابقتها فلا بد من الالتزام بان تعيين آلة المسح نظير كيفية المسح والغسل وكثير من الخصوصيات المعتبرة في سائر الواجبات موكول إلى ما هو المعهود المتعارف فلا يحتاج معرفتها إلى بيان خارجي ولا يستلزم ذلك توجيه الخطاب بماله ظاهر وإرادة خلافه لان معهودية حصوله بالآلة المتعارفة وهي الكف قرينة مرشدة إلى ارادتها * (و) * الحاصل انا لو لم نقل بظهور مطلقات أوامر المسح في حد ذاتها في إرادة ايجاده بأمر أو خصوص الكف على النحو المتعارف أي بباطنها فلا محيص عن تنزيلها عليها بعد العلم بعدم إرادة مطلق المسح خصوصا في الأوامر المقيدة بكونه ببقية بلل الوضوء المعلوم ورودها في مقام بيان تمام الحكم مع عدم التعرض لبيان آلة المسح في أغلبها والتعرض لذكر اليد في بعضها استطرادا لا لبيان كونها آلة للمسح فهذه كلها امارات عدم الحاجة إلى البيان وكون المراد منها ايجاد المسح على النحو المتعارف ويؤيده فعل الإمام (ع) في مقام البيان في الموارد الكثيرة كما يدل عليه الاخبار البيانية تصريحا في بعضها وظهورا في بعضها الاخر من حيث عدم التعرض لتعيين الماسح إذ من المعلوم ان المسح لو صدر على خلاف المتعارف لنقل في هذه الأخبار فعدم النقل في مثلها دليل على عدمه * (وقد) * ناقش فيما ادعيناه من التبادر شيخنا المرتضى [قده] بقوله والتبادر لأجل غلبة الوجود فهو مجرد حضور الفرد الغالب في الذهن لا على أنه المراد ولذا لا يعتمد عليه في غسل الوجه واليدين ولا بالنسبة إلى باطن الكف مع أن غلبة الوجود بالنسبة إلى اطلاق الآية ممنوعة جدا وفي الوضوءات البيانية ما مر من قصور الدلالة فالتمسك بالاطلاقات غير بعيد نعم لو شك في الاطلاقات من حيث كون الغلبة موجبة لاجمالها نظير المجاز المشهور وجب الرجوع إلى الاحتياط اللازم من قوله (ع) لا صلاة الا بطهور انتهى وفيه أن غلبة وجوده بهذه الكيفية مسببة عن تعارفه لا عن تعذر حصوله بغير اليد أو تعسره ومثلها توجب الانصراف جزما كما لو امر المولى عبده بغسل ثوبه أو بدنه يحمل على إرادة غسله بالماء المطلق دون المضاف لكونه هو الفرد الذي يوجد طبيعة الغسل في ضمنه غالبا * (نعم) * لا يختص ذلك بماء بلده أو بغير ماء النفط والكبريت مما يعز وجوده لان منشأ انسباق الذهن إلى ما عداه عدم حضوره عند المكلف أو ندرة وجوده لا عدم تعارض الغسل به فكيف يقاس عليه انصراف الذهن عن الذراعين فيما نحن فيه مع كونهما نصب عيني الامر والمكلف ولا يلتفتان إلى المسح بهما بل لو فرض حصول المانع للمكلف من المسح بكفه كما لو التفت كفه بخرقة بادر إلى إزالة المانع عنها للمسح ولا ينسبق إلى ذهنه جوازه بذراعيه ولو قيل إن المراد من المسح على ما يتفاهم عرفا انما هو ايجاد الطبيعة المطلقة وتشخصها في الخارج غالبا بكيفية لا يوجب تقييدها في مقام التصور والطلب فالمطلوب مطلق وامتثاله غالبا لا يتحقق في الخارج الا بالكيفية الخاصة * (قلت) * هذه الدعوى مما يكذبها الانصراف البدوي المسلم بيننا وبين المدعى إذ لا فرق بين الامر والمأمور من هذه الجهة فان الامر يتصور وجود الطبيعة في الخارج فيوجبها والمأمور يتصور وجودها فيوجدها فما ينسبق إلى ذهن المأمور من تصور مفهوم اللفظ بعينه هو الذي ينسبق إلى ذهن الامر ويجعله في حين الطلب وهذا هو السر في انصراف المطلقات إلى الافراد الشائعة واما عدم صيرورة غلبة الوجود منشأ للانصراف فليس لأجل ان ما تصوره الامر حال الطلب أعم من الفرد النادر كما قد يتوهم ضرورة ان الامر بغسل الثوب لا يخطر بباله ماء النفط والكبريت أصلا بل لا يقصد الا الامر بغسله بالمياه الموجودة عندهم الا ان العقل بعد التأمل وفرض الموجود معدوما والمعدوم موجودا يحكم بان غرض الامر أعم مما تصوره فعلا في مقام الطلب ولذا لو صرح بغسله بالماء الموجود لا يفهم من كلامه التقييد ومن المعلوم ان العقل لا يحكم بذلك الا بعد علمه بكون الفرد النادر بحيث لو كان الامر ملتفتا إليه لقصده كماء النفط مثلا لا المايعات المضافة وكذا الذراعان فيما نحن فيه وملخص الكلام ان الانصرافات البدؤية ما لم يكن في العقل ما يصرفها تستقر وما نحن فيه منها كما لا يخفى واما نقضه بغسل الوجه واليدين ففيه أولا انا ادعينا الانصراف في الأوامر المطلقة بعد العلم بعدم إرادة اطلاقها ودوران الامر بين حملها على المتعارف أو الالتزام باهمالها ووضوح فساد الثاني دليل على إرادة الأول فلا يتوجه النقض بالغسل وثانيا منع الانصراف بالنسبة إلى الغسل إذ لا ملازمة بين الانصرافين الا ترى أنه لا يتبادر من الامر بغسل رأس اليتيم مباشرته بخلاف الامر بمسحه وسره ان استعمال الآلة في الغسل من العوارض الغريبة التي لا يتوقف تصور مفهوم الغسل على تصورها لا اجمالا ولا تفصيلا فربما لا يلتفت إليها الذهن عند الامر به وهذا بخلاف المسح فإنه من مقومات مفهومه كالماء ونحوه في الغسل فلابد عند تصور مفهوم المسح من تصوره اجمالا أو تفصيلا
(١٥١)