والوسطى كون كل من المتعاطفين مستقلا بالحكم أعني دورانه من القصاص إلى الذقن وفرضهما كالخشبة الدائرة على نفسها خلاف ظاهر العطف وثالثا فلان اعتبار الدائرة بهذه الكيفية مستلزم لخروج بعض ما هو داخل في الوجه بالنص و الاجماع لما أشرنا إليه من أن الجبهة والجبينين من الوجه بالنص والاجماع والخط الواقع في طرفهما ليس قوسا من الدائرة المنطبعة على الوجه فالاصبع الوسطى الموضوعة على الجبهة بحركتها الدورية تميل إلى السفل فيخرج بعض طرفي الجبهة و أغلب الجبينين من الدائرة المفروضة بل يخرج طرفا الذقن أيضا إذ ليس طرف الذقن كقوس هذه الدائرة في غالب الاشخاص ورابعا فلان المسافة بين الإصبعين في الغالب أزيد من الخط الواصل بين الذقن والقصاص وتسمية طول الوجه انما هي باعتبار قامة الانسان أو باعتبار ظهور المسافة فيه لأجل كونه مسطحا واختفائها بالنسبة إلى الجانبين فلا يتبين مقدار مسافتهما حتى يسمى طولا بل قد يقال إن الطول عبارة عن أول بعد يترائى في الجسم فعلى هذا لا حاجة إلى التوجيه ولو التزم بوجوب قبض الإصبعين وامساكهما عما يزيد عن الحدين لتوجه عليه استلزامه خروج بعض أطراف الوجه مما انعقد الاجماع على وجوب غسله هذا كله مع بعد ما ذكره عن الفهم العرفي الذي هو المناط في معرفة الاخبار والعجب من ارتضى هذا الكلام وطعن على علمائنا الاعلام وغفل عن أن تخطئة العلماء في مثل هذه الأمور خطأ إذ ليس ما ذكره معنا غامضا يختفي على العلماء تعقله فعدم التفاتهم إلى هذا المعنى يكشف عن عدم ظهور الرواية فيه وان من يرى ظهورها فيه فإنما هو لشبهة مغروسة في ذهنه كالأنس بالقواعد الهندسية أو غيره وعلى تقدير كونه معنى دقيقا لم ينله أذهان العلماء ينبغي الجزم بعدم ارادته من الرواية الواردة في تحديد الوجه الملحوظ فيها فهم العرف كما هو الأصل في اخبارهم عليهم السلام ولا يشكل ظاهر الرواية بدخول النزعتين وهما البياضان المكتنفان بالناصية في المحدود مع خروجهما اجماعا لان المراد بالقصاص في الرواية منتهى منبت الشعر من مقدم الرأس وهو الناصية فلا يعم النزعتين كما أنه لا يتوجه الاشكال بدخولهما على تفسير المشهور لان الإصبعين إذا كان مبدء فتحهما من الناصية لا تتعديان الجبهة والجبينين غالبا هذا مع أن شمول الحد لهما غير ضائر بعد العلم بخروجهما من الوجه عرفا لما أشرنا إليه من أن التحديد الوارد في الشرع انما الملحوظ فيه بيان الحدود المشتبهة ولا شبهة عند أهل العرف في أن النزعتين من الرأس لا من الوجه فلا يتصرف إليهما الحد وكذا لا يتوجه الاشكال على التفسير الأول باستلزامه دخول بعض العنق في المحدود حيث إن الإصبعين تحيطان به حال محاذاة الكف للذقن لما ذكرنا من أن وضوح حاله دليل على عدم كونه مرادا من الرواية ثم إن العلماء رضوان الله عليهم بعد اطباقهم على وجوب غسل ما يحيط به الإصبعان وعدم وجوب غسل ما لا تحيطان به اختلفوا في وجوب غسل بعض المواضع ومنشأه اما الاختلاف في تشخيص موضوعه أو النزاع في أنه هل يحيط به الإصبعان أم لا ولا يهمنا التعرض لتحقيقه بعد أن كان المناط إحاطة الإصبعين فنقول كل ما يحيط به الإصبعان يجب غسله ومالا يحيط به الإصبعان لا يجب غسله سواء سمى بالعذار أم لا نعم يجب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة من الحدود بحكم العقل مقدمة لحصول الواجب وكذا للعلم بحصوله والله العالم ولا يخفى عليك خصوصا بعد ما عرفت من أن الوجه الذي امر الله [تعالى] بغسله هو العضو المعروف وليس للشارع فيه اصطلاح جديد ان التحديد الوارد في الاخبار وفي كلمات علمائنا الأخيار انما أريد به تعيين حدود وجوه المكلفين الذين امرهم الله [تعالى] بغسلها ولا ريب ان وجوه المكلفين مختلفة بحسب المسافة فلا يعقل ان يكون مقدار خاص معرفا لجميع الوجوه ولذا لا ينسبق إلى الذهن حال استماع هذه التحديدات الا كون وجه كل مكلف موضوعا برأسه ملحوظا بالنسبة إليه إصبعاه ولا يلتفت الذهن إلى كون إصبعي غيره مميز الحدود وجهه وهذا بخلاف الأشبار في تحديد مقدار الكر فإنها منصرفة إلى الأشبار المتعارفة لأوساط الناس واما فيما نحن فيه فلا ينصرف الاطلاق الا إلى إصبعي نفس المكلف الا ان الحدود لما كانت منزلة على الخلقة المتعارفة يعتبر في كون قصاص الشعر والإصبعين طريقا لمعرفة الوجه كونهما على الخلقة المتعارفة بان تكون أعضائه متناسبة بحسب العادة سواء كانت خشبة صغيرة أو كبيرة ولا ينبغي ان يراد من مستوى الخلقة في هذا الباب الا هذا المعنى أعني متناسب الاجزاء فلو لم يكن على الخلقة المتعارفة اما لكبر وجهه أو صغره أو لطول أصابعه أو قصرها أو لخروج قصاص شعره من الحد المتعارف بالنسبة إليه فليرجع إلى من تناسبت أعضائه بان يقيس نفسه على من تناسب أعضائه بعد مماثلته في صغر الوجه وكبره فيميز حدود وجهه بالمقايسة إلى مماثله وعلى هذا فلا عبرة بقصاص الا نزع وهو من انحسر شعره عن القصاص المتعارف ولا بالأغم وهو من على جبهته الشعر وكذا لا عبرة بإصبعي من تجاوزت أصابعه عن المقادر الواجب غسله من العذار أو قصرت عنه بل يرجع كل منهم إلى من شاكله في الوجه بشرط تناسب أعضائه
(١٣٤)