وعلى كل حال فلا ريب في سقوطهما في مقابلة ما عرفت، لكن أطنب في الحدائق وظن أنه قد جاء في الباب بما لم يلم به أحد من الأصحاب، وهو الجمع بين هذين الخبرين وبين غيرهما من النصوص الدالة على الاجتزاء بشهادة الشاهدين بأنه لا بد من العلم مع عدم العلة من الغيم ونحوه، ولا يجزي التظني وإن كان من شهادة العدلين، وهذا هو الذي أشاروا (عليهم السلام) إليه بقولهم (1):
إذا رآه الواحد رآه عشرة، وإذا رآه عشرة رآه مائة، وليس معنى رؤيته أن يقوم واحد من العشرة فيقول: رأيته يقول التسعة لم نره، نعم لو كان هناك غيم أو نحوه اجتزي بالشاهدين، لامكان اختصاصهما حينئذ بالرؤية دون غيرهما، بل لعل اعتبار كونهما من خارج البلد جريا مجرى الغالب، لأنهما لو كانا قد رأياه وهما من أهل البلد لرآه غيرهما أيضا بخلاف الخارجين، كما أن اعتبار الخمسين في الخبرين ليس إلا لإرادة حصول العلم، ونصوص الاجتزاء بالشاهدين ليس فيها إلا الاهمال المتحقق في حال الغيم، وعلى تقدير الاطلاق فهو مقيد بالخبرين المزبورين، إلا أن ذلك جميعه كما ترى، إذ هو مع إمكان تحصيل الاجماع المركب بخلافه واضح الضعف من وجوه، خصوصا بعد ما عرفت من أن مبنى تلك النصوص الانكار على ما هو متعارف عند العامة من الشهادة على الهلال زورا، وأنه يجئ الواحد منهم فيقول: رأيته من بين الجم الغفير، بل ربما ادعى رؤيته في غير إمكانها كما لا يخفى على من له علم بأحوالهم وفساد مذهبهم فخرجت هذه النصوص مخرج الانكار عليهم لا لبيان عدم الاجتزاء بالشاهدين العدلين اللذين قد اكتفى الشارع بهما في جميع الموضوعات التي فيها ما هو أعظم من رؤية الهلال بمراتب كالدماء ونحوها، فلا ينبغي التوقف في ذلك ولا الاطناب في فساد ما يخالفه.