خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها (1)، إذ هي بعد الإغماض عن سندها غير دالة على القبول هنا خاصة، بل هي عامة لما سبق من حقوق الآدميين أيضا، ولم يقل به أحد، كما مضى. وتقييدها بالمقام فرع وجود دليل عليه أو قرينة وليسا. فتأمل جدا.
وأضعف منهما ما ذكره الصيمري - بعد مصيره إلى القبول - من أن العدالة تدفع التهمة (2). وذلك لمنع دفعها لها. كيف لا وقد أطبق هو وسائر الأصحاب على اجتماعها معها، ولذا عدوا التهمة من موانع قبول الشهادة زيادة على الفسق المقابل للعدالة. فلو أوجبت التهمة فسقا لما كان لعدهم إياها من الموانع في مقابلة الفسق وجه أصلا.
ولو سلم الدفع فهو جار في حقوق الآدميين أيضا، فلم أطبق هو وباقي الأصحاب على المنع فيها معللين بالتهمة، مع أنها غير مجتمعة مع العدالة، كما ذكره؟
وبما ذكرنا يظهر قوة القول الأول، إلا أن ندرة القائل به - بل وعدمه لرجوع الشيخ عنه في المبسوط إلى خلافه، واشتهاره بين المتأخرين - أوجب التردد فيه. ويمكن أن يكون هذا وجها للتردد من الفاضلين لا ما مر.
فتأمل.
واعلم أن التبرع بالشهادة في محل المنع ليس جرحا حتى لا تقبل شهادته في غير تلك الواقعة، لأنه ليس معصية، فتسمع شهادته في غيرها، للأصل، والعمومات، مع عدم ظهور خلاف فيه بين الأصحاب، بل ظاهر المسالك إجماعهم عليه (3).