وأما على القول بالتزاحم فلا نحرز أن القيام المتصل بالركوع أهم من القيام حال القراءة أو القيام حال التكبيرة ليحكم بتقديمه عليه، بل الأمر على هذا القول بالعكس، لما ذكرناه: من أن الأسبق زمانا في أمثال هذه الموارد مرجح (1)، وبما أن القيام حال التكبيرة أو القيام حال القراءة أسبق زمانا من القيام المتصل بالركوع فيتقدم عليه لا محالة، بل قد عرفت أن ذلك مقتضى النص الخاص، فلا يحتاج إلى اعمال مرجح أصلا.
نلخص نتائج بحث التزاحم والتعارض في عدة نقاط:
الأولى: أن الفرق بين التزاحم في الملاكات والتزاحم في الأحكام من وجهين:
الأول: أن الترجيح في التزاحم بين الملاكات بيد المولى، وليس من وظيفة العبد في شئ، ولو علم بأهمية الملاك في أحد فعلين دون آخر فإن وظيفته امتثال الحكم المجعول من قبل المولى، هذا مضافا إلى أنه لا طريق له إلى الملاك. وأما الترجيح في التزاحم بين الأحكام فهو من وظيفة العبد لا غير.
الثاني: أن مقتضى القاعدة في التزاحم بين الأحكام التخيير. وأما في التزاحم بين الملاكات فلا يعقل فيه التخيير، ضرورة أنه لا معنى لتخيير المولى بين جعل الحكم على طبق هذا وجعل الحكم على طبق ذاك، لفرض أن الملاكين متزاحمان، فلا يصلح شئ منهما لأن يكون منشأ لجعل حكم شرعي، فإن الملاك المزاحم لا يصلح لذلك.
الثانية: أن التنافي بين الحكمين المتزاحمين إنما هو في مقام الامتثال الناشئ من عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في الخارج اتفاقا، ولا تنافي بينهما بالذات أبدا، لا من ناحية المبدأ ولا من ناحية المنتهى، وهذا بخلاف باب التعارض، فإن التنافي بين الحكمين في هذا الباب بالذات، وقد ذكرنا: أن ملاك أحد البابين أجنبي عن ملاك الباب الآخر بالكلية (2).