نعم، يمكن جعلهما على نحو التخيير، إلا أنه خارج عن محل الكلام، وعليه فلا محالة يدخلان في باب التعارض، لتنافيهما بحسب مقام الجعل.
وعلى هذا الأساس فحيث إن التضاد بين الجهر والإخفات دائمي فلا محالة كان دليل وجوب كل منهما معارضا لدليل وجوب الآخر، فبذلك يخرجان عن باب التزاحم الذي هو الموضوع لبحث الترتب (1).
ويمكن المناقشة فيما أفاده (قدس سره)، وذلك لأن ما ذكره - من أن التضاد بين المتعلقين إذا كان دائميا فيدخلان في باب التعارض - وإن كان متينا جدا إلا أن ذلك لا يمنع عن جريان بحث الترتب فيهما إمكانا واستحالة، فإن ملاك إمكانه هو أن تعلق الأمرين بالضدين على نحو الترتب لا يرجع إلى طلب الجمع بينهما في الخارج. وملاك استحالته هو أن ذلك يرجع إلى طلب الجمع بينهما فيه. ومن الواضح جدا أنه لا يفرق في ذلك بين أن يكون التضاد بينهما اتفاقيا أو دائميا، ضرورة أن مرجع ذلك إن كان إلى طلب الجمع فهو محال على كلا التقديرين من دون فرق بينهما أصلا، وإن لم يكن إلى طلب الجمع فهو جائز كذلك، إذ على هذا كما يجوز تعلق الأمر بالصلاة والإزالة - مثلا - على نحو الترتب كذلك يجوز تعلق الأمر بالقيام والقعود - مثلا - على هذا النحو.
وعلى الجملة: فالمحال إنما هو طلب الجمع، فكما يستحيل طلب الجمع بين القيام والقعود خارجا فكذلك يستحيل طلب الجمع بين الصلاة والإزالة، وأما طلبهما على نحو الترتب الذي هو مناقض لطلب الجمع ومعاند له فلا مانع منه أصلا.
فالنتيجة من ذلك: هي أن الترتب كما يجري بين الخطابين في مقام الفعلية والمزاحمة بتقييد فعلية خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم وترك متعلقه كذلك يجري بينهما في مقام الجعل والمعارضة بتقييد جعل أحد الحكمين المتعارضين بعصيان الحكم الآخر، وعدم الإتيان بمتعلقه على نحو القضية الحقيقية.