إلى وجود الضد الآخر، لا إلى وجود سببه، أو عدم مقتضي نفسه.
أقول: هذا الوجه في غاية المتانة والاستقامة، ولا مناص من الالتزام به، ولا سيما بذلك الشكل الذي بيناه.
وذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وجها ثالثا لاستحالة مقدمية عدم الضد للضد الآخر. وإليك نصه: (وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي إلا عدم اجتماعهما في التحقق، وحيث لا منافاة أصلا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله بل بينهما كمال الملاءمة كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدة، من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدم أحدهما على الآخر كما لا يخفى، فكما أن قضية المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادين) (1).
أقول: توضيح ما أفاده (قدس سره): أن المنافرة والمعاندة بين الضدين كما تقتضي استحالة اجتماعهما في التحقق والوجود في زمن واحد كذلك تقتضي استحالة اجتماعهما في مرتبة واحدة، فإذا استحال اجتماعهما في مرتبة واحدة كان عدم أحدهما في تلك المرتبة ضروريا، وإلا فلابد أن يكون وجوده فيها كذلك، لاستحالة ارتفاع النقيضين عن الرتبة.
مثلا: البياض والسواد متضادان، وقضية مضادة أحدهما مع الآخر ومعاندتهما استحالة اجتماعهما في الوجود في موضوع وفي آن واحد أو رتبة واحدة، فكما أن استحالة اجتماعهما في زمان واحد تستلزم ضرورة عدم أحدهما في ذلك الزمان كذلك استحالة اجتماعهما في رتبة واحدة تستلزم ضرورة عدم واحد منهما في تلك الرتبة، لاستحالة ارتفاع النقيضين عن المرتبة أيضا، بأن لا يكون وجوده في تلك المرتبة ولا عدمه.
ومن ذلك يعلم: أن مراده (قدس سره): من أنه لا منافاة بين وجود أحد الضدين وعدم الآخر، بل بينهما كمال الملاءمة ما ذكرناه: من أن المضادة بين شيئين لا تقتضي إلا