الإتيان بالصلاة جالسا إذا لم يتمكن من القيام، وعلى وجوب الإتيان بها بغير الاستقبال إلى القبلة إذا لم يتمكن منه، وعلى وجوب الإتيان في الثوب النجس أو عاريا على الخلاف في المسألة، وغير ذلك. فهذه الروايات قد دلت على وجوب الإتيان بالباقي وأنه لا يسقط، والساقط إنما هو الأمر المتعلق بالمجموع المركب من الجزء أو القيد المتعذر، فلو لم يتمكن المصلي من القيام - مثلا - وجبت عليه الصلاة جالسا بمقتضى النص الخاص، وكذا لو لم يتمكن من الجلوس وجبت عليه الصلاة مضطجعا. وهكذا.
وعلى الجملة: فمع قطع النظر عما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال تكفينا في المقام هذه الروايات الخاصة الدالة على وجوب الباقي وعدم سقوطه بتعذر جزء أو شرط، ولكن عرفت: أن هذه القاعدة - أي: قاعدة عدم سقوط الباقي بالتعذر - تختص بخصوص باب الصلاة، فلا تعم غيرها، ولذا لو لم يتمكن المكلف من الصوم في تمام آنات اليوم لم يجب عليه الإمساك في الآنات الباقية من هذا اليوم، كما لو اضطر الصائم إلى الإفطار في بعض اليوم فلا يجب عليه الإمساك في الباقي.
وعلى ضوء هذا الأصل فإذا تعذر أحد أجزاء الصلاة أو شرائطه وكان المتعذر متعينا - كما إذا لم يتمكن المصلي من القيام - مثلا - أو القراءة أو ما شاكل ذلك - فلا إشكال في وجوب الإتيان بالباقي. وأما إذا كان المتعذر مرددا بين جزءين أو شرطين أو جزء وشرط فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما، للعلم الإجمالي بجعل أحدهما في الواقع دون الآخر، لفرض انتفاء القدرة إلا على أحدهما. فإذا لابد من النظر إلى أدلتهما وإعمال قواعد التعارض بينهما.
فنقول: إن الدليلين الدالين عليهما لا يخلوان: من أن يكون أحدهما لبيا والآخر لفظيا، وأن يكون كلاهما لبيا أو كلاهما لفظيا. وعلى الثالث: فأيضا لا يخلوان: من أن تكون دلالة أحدهما بالإطلاق والآخر بالعموم، وأن تكون دلالة كليهما بالعموم أو بالإطلاق.