وعلى هذا فلا محالة يكون وجوب الحج فعليا ورافعا لموضوع وجوب الوفاء بالنذر وملاكه. وأما وجوب الوفاء به فلا يعقل أن يكون رافعا لملاك الحج، ضرورة أن فعليته تتوقف على عدم التكليف بالحج، لئلا يلزم منه تحليل الحرام، فلو كان عدم التكليف بالحج من ناحية فعلية وجوب النذر لزم الدور.
وهذا الذي ذكرناه يجري في كل ما كان وجوبه مشروطا بعدم كونه محللا للحرام: كموارد الشرط، والحلف، واليمين، وما شابهها، فعند مزاحمته مع ما هو غير مشروط به يقدم غير المشروط به ولو فرض أنه أيضا مشروط بالقدرة شرعا (1).
ثم قال (قدس سره): وأما ما عن السيد (قدس سره) في العروة (2) من أن المعتبر هو أن يكون متعلق النذر راجحا في طرف العمل ولو بلحاظ تعلق النذر به، وبذلك صحح جواز نذر الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات فيظهر فساده مما قدمناه من أن المعتبر في صحة النذر وانعقاده هو كون متعلقه راجحا وغير موجب لتحليل الحرام في نفسه، مع قطع النظر عن تعلق النذر به، وإلا لأمكن تحليل جميع المحرمات بالنذر، وهذا ضروري البطلان (3).
نلخص نتيجة ما أفاده (قدس سره) في عدة نقاط:
الأولى: تسليم أن التزاحم بين وجوب الوفاء بالنذر ووجوب فريضة الحج إنما هو من صغريات التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا، وليس من صغريات الكبرى المتقدمة، وهي المزاحمة بين واجبين يكون أحدهما مشروطا بالقدرة عقلا والآخر مشروطا بها شرعا.
الثانية: تسليم أنه داخل في كبرى تزاحم واجبين يكون أحدهما أسبق زمانا من الآخر.
الثالثة: أن الأسبق زمانا إنما يكون مرجحا وموجبا لتقديمه على الآخر فيما