الثالث: أن ارتفاع أحد الحكمين في باب التزاحم وعدم فعليته مستند إلى ارتفاع موضوعه وعدم فعليته، لا إلى شئ آخر مع بقاء موضوعه ليقع التنافي بينه وبين ذاك الشئ، ولأجل ذلك يجري التزاحم بين الحكمين المستفادين من آيتين أو سنتين قطعيتين، وكذلك الحكم المستفاد من رواية والحكم المستفاد من آية من الكتاب أو سنة قطعية، بل لا مناص من تقديم الرواية على الكتاب أو السنة القطعية في مقام المزاحمة إذا كانت واجدة لإحدى مرجحات بابها.
لحد الآن قد تبين: أن النقطة الرئيسية التي ينبثق منها التزاحم بين الحكمين بعد الفراغ من جعلهما إنما هي عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال والفعلية، وأما مع التمكن فلا مزاحمة أصلا.
ولكن لشيخنا الأستاذ (قدس سره) في المقام كلام، وهو: أن التزاحم قد ينشأ من عدم قدرة المكلف على الجمع بين الحكمين في مقام الامتثال كما هو الغالب. وقد ينشأ من جهة أخرى غير ذلك.
أما الأول فقد قسمه (قدس سره) على خمسة أقسام:
الأول: ما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما هو الحال في التزاحم بين وجوب إنقاذ غريق وإنقاذ غريق آخر فيما إذا لم يقدر المكلف على إنقاذ كليهما معا.
الثاني: ما إذا كان التزاحم من جهة وقوع التضاد بين الواجبين اتفاقا، لما عرفت من أن التضاد بينهما إذا كان دائميا فيقع التعارض بين دليليهما فتكون المصادمة عندئذ في مقام الجعل، لا في مقام الامتثال والفعلية (1).
الثالث: موارد اجتماع الأمر والنهي فيما إذا كانت هناك ماهيتان اتحدتا في الخارج بنحو من الاتحاد كالصلاة والغصب - مثلا - بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الطبيعة إلى مشخصاتها فوقتئذ تقع المزاحمة بينهما، وهذا بخلاف ما إذا كانت هناك ماهية واحدة كإكرام العالم الفاسق المنطبق عليه إكرام