ونلخص ما أفاده (قدس سره) في عدة نقاط:
الأولى: فساد ما اختاره المحقق الثاني (قدس سره) من التفصيل بين القولين مطلقا، أي: سواء القول فيه باشتراط صحة العبادة بقصد الأمر وعدم كفاية قصد الملاك، أو القول بعدم اشتراط صحتها بذلك، وكفاية قصد الملاك كما مر (1).
الثانية: أن منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف إنما هو اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار، لا حكم العقل بقبح تكليف العاجز، ضرورة أن الاستناد إلى أمر ذاتي سابق على الاستناد إلى أمر عرضي.
الثالثة: ان الفرد المزاحم - هنا - تام الملاك، وأن قصد الملاك كاف في صحة العبادة.
الرابعة: أن المانع من صحة العبادة والتقرب بها إنما هو النهي النفسي لا النهي الغيري، لأن النهي الغيري لا ينشأ من مفسدة في متعلقه ليكون كاشفا عن عدم تمامية ملاك الأمر.
ولنأخذ الآن بدرس هذه النقاط:
أما النقطة الأولى فيرد عليها: أن ما أفاده (قدس سره) من التفصيل بين القول: بأن منشأ اعتبار القدرة شرطا للتكليف هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز، والقول: بأن منشأ اعتباره اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار - فيسلم ما ذكره المحقق الثاني (قدس سره) على الأول دون الثاني - لا يرجع إلى معنى محصل، بناء على ما اختاره (قدس سره) من استحالة الواجب المعلق، وتعلق الوجوب بأمر متأخر مقدور في ظرفه (2).
بيان ذلك: أن الأمر في الواجب الموسع وإن تعلق بالطبيعة وبصرف الوجود منها إلا أنه أيضا مشروط بالقدرة عليها. ومن الواضح أن القدرة عليها لا يمكن، إلا بأن يكون بعض وجوداتها وأفرادها - ولو كان واحدا منها - مقدورا للمكلف.
وأما لو كان جميع أفرادها ووجوداتها غير مقدور له ولو كان ذلك في زمان واحد دون بقية الأزمنة فلا يمكن تعلق التكليف بنفس الطبيعة وبصرف وجودها في ذلك