ودعوى: أن عدم وقوعهما على صفة المطلوبية معا هنا إنما هو من جهة عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما، فلو تمكن من ذلك فلا محالة يقعان على صفة المطلوبية مدفوعة: بأن وقوعهما على هذه الصفة مع فرض بقاء تقييد الأمر بالمهم بعدم الإتيان بالأهم وعصيان أمره في هذا الحال غير معقول، بل الإتيان بالمهم عندئذ بقصد الأمر تشريع ومحرم.
وأما مع فرض ارتفاع التقييد في هذا الحال - كما هو الصحيح - لأن التقييد من جهة المزاحمة بين التكليفين وعدم تمكن المكلف من الجمع بين متعلقيهما في مقام الامتثال - وأما مع فرض عدم المزاحمة وتمكن المكلف من الجمع بينهما في تلك المرحلة فلا تقييد في البين، ولا حكم للعقل به، لأنه إنما يحكم به في صورة المزاحمة لا مطلقا - فهو خارج عن محل الكلام، فإن محل الكلام هو ما إذا لم يتمكن المكلف من الجمع بينهما، فإنه يوجب تقييد الواجب المهم بعدم الإتيان بالأهم بحكم العقل، وفي هذا الفرض لا يمكن وقوعهما على صفة المطلوبية كما سبق.
وأما ما ذكر من أن العصيان إذا كان شرطا بوجوده الخارجي على نحو الشرط المقارن فلا يمكن فرض اجتماع الأمرين - الأمر بالأهم والأمر بالمهم - في زمان واحد فهو يبتنى على نقطة فاسدة، وهي توهم أن العصيان مهما تحقق ووجد في الخارج فهو مسقط للأمر، ولكن الشأن ليس كذلك.
والوجه فيه: هو أنا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحليلا علميا نرى أن الموجب لسقوطه أمران لا ثالث لهما:
الأول: امتثاله والإتيان بمتعلقه في الخارج، هذا باعتبار أن ذلك موجب لحصول الغرض منه. وقد ذكرنا غير مرة أن الأمر معلول للغرض الداعي له حدوثا وبقاء، فمع تحقق الغرض في الخارج لا يعقل بقاء الأمر، وإلا لزم بقاء الأمر بلا غرض، وهو - كبقاء المعلول بلا علة - محال.